١١٣٤٥ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَبْسُوطِ كَلَامِهِ: " لَبَنُ التَّصْرِيَةِ مَبِيعٌ مَعَ الشَّاةِ، وَكَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، فَإِذَا حَلَبَهُ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَعْدَ أَنْ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَلْبَانَهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَاللَّبَنُ بَعْدَهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ كَمَا حَدَثَ الْخَرَاجُ فِي مِلْكِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» ⦗١١٩⦘.
١١٣٤٦ - قَالَ أَحْمَدُ: زَعَمَ بَعْضُ مَنْ تَرَكَ الْحَدِيثَ أَنَّ ذَلِكَ حِينَ كَانَتِ الْعُقُوبَاتُ فِي الذُّنُوبِ يُؤْخَذُ بِهَا الْأَمْوَالُ، ثُمَّ نُسِخَتِ الْعُقُوبَاتُ فِي الْأَمْوَالِ بِالْمَعَاصِي، فَصَارَ هَذَا أَيْضًا مَنْسُوخًا، وَهَذَا مِنْهُ تَوَهُّمٌ، وَسِعْرُ اللَّبَنِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَرْخَصُ مِنْ سِعْرِ التَّمْرِ، وَالتَّصْرِيَةُ وُجِدَتْ مِنَ الْبَائِعِ لَا مِنَ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ لَأَشْبَهَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِلَا شَيْءٍ أَوْ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ بِكُلِّ حَالٍ، لَا بِمَا قَدْ يَكُونُ قِيمَتُهُ مِثْلَ قِيمَةِ اللَّبَنِ أَوْ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْبَيْعِ، دُونَ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ، وَهَلَّا جَعَلَهُ شَبِيهًا بِقَضَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أُمَّةٍ حِينَ لَمْ يُوقَفْ عَلَى حَدِّهِ، فَقَضَى فِيهِ بِأَمْرٍ يُنْتَهَى إِلَيْهِ، كَذَلِكَ لَبَنُ التَّصْرِيَةِ اخْتَلَطَ بِالْحَادِثِ بَعْدَهُ، لَا يُوقَفُ حَدُّهُ، فَقُضِيَ فِيهِ بِأَمْرٍ يُنْتَهَى إِلَيْهِ، ثُمَّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ قَضَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُصَرَّاةِ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْعُقُوبَاتِ فِي الْأَمْوَالِ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَنْسُوخًا مَعَهَا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَوَاخِرِ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَمَلَ خَبَرَ التَّصْرِيَةِ عَنْهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ،
١١٣٤٧ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَفْتَى بِهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَوْ صَارَ إِلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا كَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ فِي أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوَهُّمِ، وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ يَدَّعِي تَسْوِيَةَ الْأَخْبَارِ عَلَى مَذْهَبِهِ يَحْكِي مَا ذَكَرْنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَدَّعِي خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ لَبَنًا دَيْنًا بِصَاعِ تَمْرٍ دَيْنٍ، فَقَدْ حَلَّ ذَلِكَ مَحِلَّ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَعْدِ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ،
١١٣٤٨ - وَرُوِيَ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ ". فَصَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِهِ، وَهَذَا مِنَ الضَّرْبِ الَّذِي تُغْنِي حِكَايَتُهُ عَنْ جَوَابِهِ، أَيُّ بَيْعٍ جَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى اللَّبَنِ بِالتَّمْرِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَمَنْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا فَالْمُتْلِفُ غَيْرُ حَاضِرٍ، وَالَّذِي يَلْزَمُهُ مِنَ الضَّمَانِ غَيْرُ حَاضِرٍ، فَيُجْعَلُ دَيْنًا بِدَيْنٍ حَتَّى لَا يُوجِبَ ⦗١٢٠⦘ الضَّمَانَ وَيْعِدلُ عَنْ إِيجَابِ الضَّمَانِ إِلَى حُكْمٍ آخَرَ، وَقَدْ يَكُونُ مَا حَلَبَ مِنَ اللَّبَنِ حَاضِرًا عِنْدَهُ فِي آنِيَتِهِ، أَفَيَحِلُّ ذَلِكَ مَحِلَّ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، أَوْ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ؟ لَوْ كَانَ يُصَرِّحُ بِنَسْخِ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَجَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ مِمَّا تَوَهَّمَهُ قَائِلُ هَذَا شَيْءٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute