١٨٢٢٩ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى دَارًا، أَوْ أَرْضًا، أَوْ رَقِيقًا، أَوْ ثِيَابًا، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ؟ قَالَ: «أَمَا الدُّورُ وَالْأَرَضُونُ فَهِيَ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الرَّقِيقُ وَالْمَتَاعُ فَهُوَ لِلرَّجُلِ الَّذِي اشْتَرَاهُ»
١٨٢٣٠ - وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: «فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً، فَخَلَّى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَرْضِهِمْ وَدُورِهِمْ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا فَيْئًا»
١٨٢٣١ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْ مَكَّةَ وَأَهْلِهَا وَقَالَ: «مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» وَنَهَى عَنِ الْقَتْلِ إِلَّا نَفَرًا قَدْ سَمَّاهُمْ، إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدٌ فَيُقَاتَلُ، وَقَالَ لَهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ: «مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» ⦗٢٩٤⦘، وَلَمْ يَجْعَلْ مِنْهَا فَيْئًا قَلِيْلًا وَلَا كَثِيرًا، لَا دَارًا وَلَا أَرْضًا وَلَا مَالًا، وَلَمْ يَسْبِ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدًا، وَقَدْ قَاتَلَهُ قَوْمٌ فِيهَا فَقَتَلُوا وَهَرَبُوا فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئًا، وَلَمْ يَجْعَلْهُ فَيْئًا، وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي هَذَا كَغَيْرِهِ، فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ , فَتَفَهَّمْ
١٨٢٣٢ - فَأَمَّا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الَّذِي دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ لَا تُحَوَّلُ وَلَا يَحُوزُهَا الْمُسْلِمُ
١٨٢٣٣ - قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ فِي الْحَجَّةِ بِمَكَّةَ، وَلَا أَبُو يُوسُفَ شَيْئًا
١٨٢٣٤ - لَمْ يَدْخُلْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْوَةً، وَإِنَّمَا دَخَلَهَا سِلْمًا، وَقَدْ سَبَقَ لَهُمْ أَمَانٌ، وَالَّذِينَ قَاتَلُوا وَأَذِنَ فِي قَتْلِهِمْ بِمَكَّةَ هُمْ أَبْعَاضٌ قَتَلَتْ خُزَاعَةَ، وَلَيْسَ لَهُمْ بِمَكَّةَ دَارٌ وَلَا مَالٌ، وَإِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ هَرَبُوا إِلَيْهَا، فَأَيُّ شَيْءٍ يُغْنَمُ مِمَّنْ لَا مَالَ لَهُ؟
١٨٢٣٥ - وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ فَادَّعَوْا أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ وَلَمْ يُنْفِذْ لَهُمْ أَمَانًا، وَادَّعَى خَالِدٌ أَنَّهُمْ بَدَأُوهُ، ثُمَّ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ
١٨٢٣٦ - وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ صَارَ إِلَى قَبُولِ الْأَمَانِ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ وَدُخُولِ دَارِهِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ»
١٨٢٣٧ - قَالَ: مَنْ يَغْنَمْ مَالَ مَنْ لَهُ أَمَانٌ لَا غَنِيمَةَ عَلَى مَالِ هَذَا وَمَا يُقْتَدَى فِيمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِمَا صَنَعَ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا ⦗٢٩٥⦘
١٨٢٣٨ - وَجَرَى فِي خِلَالِ كَلَامِهِ أَنَّ مَا خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فِيهِمَا
١٨٢٣٩ - وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُبَيَّنْ أَنَّهُ خَاصٌّ لَهُ: لَعَلَّ هَذَا مِنَ الْخَاصِّ لَهُ، جَازَ هَذَا فِي كُلِّ حُكْمِهِ فَخَرَجَتْ أَحْكَامُهُ مِنْ أَيْدِينَا
١٨٢٤٠ - قَالَ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُغْنَمَ مَالُ الْمُسْلِمِ وَقَدْ مَنَعَهُ اللَّهُ بِدِينِهِ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنَيْ سَعْيَةَ، وَمَنَعَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الدُّورِ وَالْأَرَاضِي وَغَيْرِهَا مِمَّا تَحَوَّلَ فَرْقٌ
١٨٢٤١ - قَالَ أَحْمَدُ: احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا بِأَحَادِيثَ فِي نَقْضِ قُرَيْشٍ عَهْدَهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا عَلَى الصُّلْحِ الَّذِي جَرَى بِالْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ مُسَلَّمٌ لَهُ إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ وَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَقَدَ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْأَمَانَ إِلَّا نَفَرًا يَسِيرًا سَمَّاهُمْ بِشَرْطٍ، فَقَالَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ كَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ»، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ
١٨٢٤٢ - فَأَمَّا مَا حَكَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَنْصَارِ حِينَ طَافُوا بِهِ: «انْظُرُوا إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ»، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا»، فَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ قُرَيْشًا قَبِلَتْ مَا عَقَدَ لَهُمْ مِنَ الْأَمَانِ، فَدَخَلَ مَكَّةَ مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ خَوْفًا مِنْ غَدْرِهِمْ، وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ بِالْقِتَالِ إِنْ قَاتَلُوا
١٨٢٤٣ - وَالَّذِي رُوِيَ فِي حَدِيثِهِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَبِي سُفْيَانَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ»، فَاخْتِلَافُ رُوَاتِهِ فِي وَقْتِ حِكَايَتِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَصَدُوا حِكَايَةَ لَفْظِهِ دُونَ ⦗٢٩٦⦘ حِكَايَةِ وَقْتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعِكْرِمَةُ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الْمَغَازِي، أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَادَهُ بِمَكَّةَ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهُ بَعْدَمَا ظَفَرَ بِهِمْ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ؟
١٨٢٤٤ - وَدَعْوَى التَّخْصِيصِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَلَا حُجَّةَ فِي تَوَهُّمِ الطُّلَقَاءِ أَنَّ السَّيْفَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ
١٨٢٤٥ - وَهُوَ كَقَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ حِينَ وَقَفَهُ لِيَرَى كَثْرَةَ النَّاسِ: أَغَدْرًا يَا بَنِي هَاشِمَ؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: سَتَعْلَمُ أَنَّا لَسْنَا نَغْدِرُ ,
١٨٢٤٦ - وَلَوْلَا انْعِقَادُ الْأَمَانِ لَهُمْ بِمَا مَضَى لَمَا قَالَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَتَوَهَّمُونَ مَا تَوَهَّمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» وَهُوَ يُرِيدُ الْأَمَانَ السَّابِقَ وَوُجُودَ شَرْطِهِ
١٨٢٤٧ - قَالَ أَحْمَدُ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِغَزْوِ قُرَيْشٍ، وَالْفَتْحُ يَكُونُ بِالصُّلْحِ مَرَّةً، وَالْقَهْرِ أُخْرَى، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ فَتْحًا
١٨٢٤٨ - قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: ١]، فَلَمْ يَخْتَلِفِ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَسَمَّى صُلْحَهُمْ فَتْحًا , وَقَدْ يَقُولُ النَّاسُ لِلْمَدِينَةِ تُفْتَحُ: افْتُتِحَتْ صُلْحًا، وَيُقَالُ: افْتُتِحَتْ عَنْوَةً، فَالْفَتْحُ قَدْ يَكُونُ صُلْحًا، وَقَدْ يَكُونُ عَنْوَةً
١٨٢٤٩ - قَالَ أَحْمَدُ: فَلَيْسَ فِي تَسْمِيَةِ النَّاسِ خُرُوجَهُ غَزْوًا، وَدُخُولَهُ مَكَّةَ فَتْحًا، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» يُرِيدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، دُخُولَهَا مُعِدًّا لِلْقِتَالِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، إِنْ لَمْ يَقْبَلُوا الْأَمَانَ وَقَاتَلُوهُ
١٨٢٥٠ - وَالَّذِي رُوِيَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ مِنْ إِرَادَةِ عَلِيٍّ قَتْلَ رَجُلٍ أَجَارَتْهُ فَلَعَلَّهُ رَآهُ وَمَعَهُ السِّلَاحَ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلِ الْأَمَانَ بِدَلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ قَوْلِهِ ⦗٢٩٧⦘: «أَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»، وَخُرُوجِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَاشْتِغَالِهِ بِالْغُسْلِ وَصَلَاةِ الضُّحَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُجِزْ إِلَّا قَتْلَ مَنِ اسْتَثْنَاهُمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ