للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٦٧٥ - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَكَرَ عَدَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَادَنَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَنَّ مَنْ جَاءَ قُرَيْشًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُرْتَدًّا لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهُمْ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا إِلَى غَيْرِ الْمَدِينَةِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوِ الشِّرْكِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ»

١٨٦٧٦ - قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ فِي مُسْلِمِ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ شَيْئًا مِنْ هَذَا الشَّرْطِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي مُهَادَنَتِهِمْ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: ١]، فَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً مُبِينًا

١٨٦٧٧ - قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَتَمَّ الصُّلْحُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى هَذَا، حَتَّى جَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً، فَنَسَخَ اللَّهُ ⦗٤١٥⦘ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ وَأَنْزَلَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] إِلَى قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠]، يَعْنِي الْمُهُورَ إِذَا كَانُوا أَعْطَوْهُنَّ إِيَّاهَا

١٨٦٧٨ - قَالَ: وَجَاءَ أَخَوَاهَا يَطْلُبَانِهَا فَمَنَعَهَمَا مِنْهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَقَضَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ، وَحَكَمَ فِيهِنَّ غَيْرَ حُكْمِهِ فِي الرِّجَالِ

١٨٦٧٩ - قَالَ: وَإِنَّمَا ذَهَبْتُ إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي الصُّلْحِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَدُّهُنَّ فِي الصُّلْحِ، لَمْ يُعْطَ أَزْوَاجُهُنَّ فِيهِنَّ عِوَضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

١٨٦٨٠ - قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ فِي بَرَاءَةَ قُلْنَا: إِذَا صَالَحَ الْإِمَامُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ، فَالطَّاعَةُ نَقْضُهُ

١٨٦٨١ - ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَبِهَذَا قُلْنَا: إِذَا ظَفَرَ الْمُشْرِكُونَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذُوا عَلَيْهِ عُهُودًا وَأَيْمَانًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ أَوْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ بِكَذَا، فَحَلَالٌ أَنْ لَا يُعْطِيَهُمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ مُكْرَهَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى الْإِمَامُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ إِنْ جَاءَهُ ⦗٤١٦⦘

١٨٦٨٢ - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ لَهُ: لَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَصِيرٍ مِنْ وَلِيِّهِ حِينَ جَاءَاهُ فَذَهَبَا بِهِ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا، وَهَرَبَ مِنْهُ الْآخَرُ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ قَالَ قَوْلًا يُشْبِهُ التَّحْسِينَ لَهُ

١٨٦٨٣ - ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: حَالُ الْأَسِيرِ وَأَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ خِلَافُ مَا أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ رَدِّ رِجَالِهِمُ الَّذِينَ هُمْ أَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَتُهُمْ وَعَشَائِرُهُمُ الْمَمْنُوعُونَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ يُنَالُوا بِتَلَفٍ

١٨٦٨٤ - فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى رَدِّ أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ إِلَى أَبِيهِ، وَعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ إِلَى أَهْلِهِ بِمَا أَعْطَاهُمْ قِيلَ لَهُ: آبَاؤُهُمْ وَأَهْلُوهُمْ أَشْفَقُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، وَأَحْرَصُهُ عَلَى سَلَامَتِهِمْ، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا سَيَقُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُؤْذِيهِمْ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مُهْتَمِّينَ عَلَى أَنْ يَنَالُوهُمْ بِتَلَفٍ، أَوْ أَمْرٍ لَا يَحْتَمِلُونَهُ مِنْ عَذَابٍ، وَإِنَّمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ ⦗٤١٧⦘ خِلَافَهُمْ دِينَهُمْ وَدِينَ آبَائِهِمْ، وَكَانُوا يُشَدِّدُونَ عَلَيْهِمْ لِيَتْرُكُوا دِينَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَأْثَمَ فِي الْإِكْرَاهِ فَقَالَ: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦]

١٨٦٨٥ - وَمَنْ أَسَرَ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ فَقَدْ يَقْتُلُهُ بِأَلْوَانِ الْقَتْلِ وَيَبْلُوهُ بِالْجُوعِ وَالْجَهْدِ، وَلَيْسَ حَالُهُمْ وَاحِدَةً وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ نَقَضَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ إِذْ كُنَّ إِذَا أُرِيدَتْ بِهِنَّ الْفِتْنَةُ ضَعُفْنَ عَنْ عَرْضِهَا عَلَيْهِنَّ، أَوْ لَمْ يَفْهَمْنَ فَهْمَ الرِّجَالَ بِأَنَّ التَّقِيَّةَ تَسَعُهُنَّ فِي إِظْهَارِ مَا أَرَادَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْقَوْلِ، وَكَانَ فِيهِنَّ أَنْ يُصِيبَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَهُنَّ حَرَامٌ، فَأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَكْثَرِ مِنْ هَذِهِ الْحَالِ، إِلَّا أَنَّ الرِّجَالَ لَيْسَ مِمَّنْ يُنْكَحُ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَفْعَلُ فِيمَا بَلَغَنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

١٨٦٨٦ - قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا نَقَلْتُ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حَالِ أَبِي جَنْدَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّلْحِ رَدَّهُمْ وَوَفَّى بِمَا شَرَطَ، وَحَالُ غَيْرِهِمْ مِمَّا لَا يَكُونُ لَهُ حَيْثُ يُرَدُّ إِلَيْهِ عَشِيرَةٌ وَمَنَعَةٌ لِغَلَطِ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ بِحَدِيثِ أَبِي جَنْدَلٍ

١٨٦٨٧ - وَكَانَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا يَذْهَبُ فِي الْأَسِيرِ إِلَى أَنَّهُ يُيَسَّرُ لَهُ مَا شَرَطُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ، وَإِلَّا رَجَعَ إِلَيْهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>