رَحَل مَعَ أبِيه فَسَمِعَ بِمصْر: من أَحْمَد بن شُعَيْب النّسَائي، وأحمد بن عَمرو البزَّار، وسَمِعَ بمكَّة: من عَبْد الله بن عليّ الجَارُود، ومُحَمَّد بن عَليّ الجوهَريّ وغَيْرهما. وعنَى بِجَمْع الحدِيث، واللغة هُو وأبوه، فَأدْخَلا الأنْدَلُس عِلْماً كَثيراً، ويُقَال أَنَّهُما أوّل من أدْخَل إليْنا: كِتاب العَيْنِ. وألَّفَ قاسم كِتاباً في شَرْحِ الحدِيث، سَمَّاه: كِتَاب الدَّلَائل؛ بَلَغ فيه الغَاية من الإتْقَانِ؛ وماتَ قَبْل إكماله فَأَكمَلَهُ أبُوه ثَابِتٌ بَعْده.
أخْبَرني العَبَّاس بن عَمْرو الوَرَّاق، قالَ: سَمِعْتُ إسماعيل بن القَاسِم البغْدَاديّ، يَقُول: كَتَبْتُ كِتابَ الدَلَائل وَمَا أَعْلمُ وَضْعاً بالأنْدَلُس مِثْلهُ. فتَعصب؛ ولو قالَ إسْمَاعيل: إنه ما وُضِع بالمشْرِق مَثْلُه ما أَبْعَد.
وكان: قَاسِم عالِماً بالحَديثِ والفِقْهِ، مُتَقَدَّماً في مَعْرفة الغريب، والنّحو، والشّعر، وكانَ مَعَ ذلك وَرِعاً نَاسِكاً. وأريدَ عَلَى أن يَلي القضاء بِسَرقُسطة فامْتَنَع مِن ذلك، وَأرَادَ أَبُوه إكْرَاهَه عليه فَسَلهُ أَن يَتركَهُ يَتَراءى في أَمره ثلاثة أيَّام يَسْتَخير الله فيها. فَمات في هذه الثَّلاثَة الأيام. فَيْروُون أنه دَعَا لِنَفْسه بالمَوت، فقَبَضَهُ اللهُ أجَلَّ محمودٍ. وكانَ يُقَال: إنه مُجاب الدَّعْوة أخْبرني بهذا الخبر العَبَّاس بن عَمْرٍو، وهوَ عِنْد أهْل سَرقُسْطَة مُستْفيض.
وقرَأْتُ بخَطَّ المسْتَنْصر بالله رحمه الله: تُوفِّيَ: قاسم بن ثابت (رحمه الله) : سنة اثْنَتين وثَلاثِ مائة بِسَرقسْطة. وكان: عَالِماً، زاهِداً، خَيِّراً. وقالَ ابنهُ ثابت ابن قاسم: وَلدَ أبي قاسم بن ثابت سنَة خَمْس وخَمسين ومائَتين، وتُوفِّيَ: في سَرَقسطة في شوال سنة اثنتين وثلاثِ مائةٍ.