ثم قال المالكي ص (١٤٢) بعد إتمامه كلام أبي الحسن الأشعري: (وأنتم ترون أن عدم فهم حجة الطرف الآخر، والظن بأنه لا يعتمد على دليل، من الأسباب الرئيسة في انتقاصنا للآخرين، والنظر إليهم بعين الازدراء، وكأنهم مجموعة من العوام الذين يعكفون على التقليد، ويعتمدون على أذواقهم وعقولهم القاصرة، إلخ.
ولو تواضعنا وطلبنا من الآخر أن يبين حجته بالبراهين لندرسها ونراجعها لكان أفضل مما نحن عليه من نفي الآخر، والتعالي عليه، ولعلنا أجهل منه، وأبعد عن الحق) اهـ كلام المالكي.
والجواب عن هذا يسير من وجهين: أحدهما: أن ما ذكره المالكي قد سلم منه السلف وأتباعهم بحمد الله، وإنما هو وصف لحاله مع أئمة السلف وعلماء السنة، على حد قول الأول:"رمتني بدائها وانسلت "، وهو أحق الناس بنصيحته.
الثاني: أن أهل السنة حنابلة وغيرهم رحمهم الله لما حكموا على علم الكلام بما حكموا به عليه، كان حكما عادلا منصفا، قد بينا سابقا دلائل صدقه، وظهور إصابته.
ولا أدل وأوضح على ذلك من رجوع أبي الحسن الأشعري نفسه عما كان فيه من اعتزال وكلام إلى مذهب أهل السنة، وخص منهم إمام الأئمة أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وهذا قد ذكره أبو الحسن الأشعري في رسالته " الإبانة ".