بحبل الله جل وعلا، واتباع ما أنزل في كتابه وأتى به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا مجرد الاجتماع والاتفاق الظاهري! وكما قال الأول:
وإذا الجرح رم على فساد ... تبين فيه تفريط الطبيب
ولا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه.
والمسلمون ليسوا قلة كي تكون قوتهم في اجتماعهم وتجمعهم ليكونوا كثرة، وإنما علتهم القاتلة: بعدهم عن الوحي والاعتصام بدينهم، فكانت كثرتهم وحالهم هذه كالغثاء، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها " قالوا: أمن قلة نحن يا رسول الله يومئذ؟ قال: "لا! أنتم كثير لكن غثاء كغثاء السيل» [حم (٥ / ٢٧٨) د (٤٢٩٧) من حديث ثوبان رضي الله عنه] .
ولم يسقط دول المسلمين ويسلط عليهم أعداءهم إلا فشو المعاصي فيهم، والبدع والضلالات، واللهو والمجون.
وأما سقوط بغداد: فلم يكن سببه تقريب اليهود والنصارى، وإنما كان سببه تقريب المبتدعة والضلال، حتى إذا تمكنوا من وزارة الخلافة العباسية: كشفوا أسرارها، وأظهروا لعدو المسلمين عوارها، وشجعوه على النيل منها، فقدمت جيوشهم على حين غرة، فقتلوا الخليفة والعلماء والقضاة، وكثيرا من عامة المسلمين، حتى ذكر بعض العلماء: أن القتلى من المسلمين بلغوا ألف ألف نفس، أو نحو ذلك.