إلهًا ولا ابن إله ولا ثالث ثلاثة، ولا جزءًا من الله، أو نصف إله ... إلى آخر ما ادعاه النصارى، وإنما هو عبد كامل العبودية، أنعم الله -عز وجل- عليه وجعله في ولادته ومعجزاته آية وعلامة لبني إسرائيل، كما قال تعالى:{إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}(الزخرف: ٥٩) ثم هو لم يتأب على العبودية ولم يتكبر عليها أو يستنكف عنها، كما قال تعالى:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا}(النساء: ١٧٢) وتبرأنا من قوم غدوا فيه على طرفي نقيض: مفتون به ضال، وظالم له بغيض، وهما في عمى بصائرهم سيان، ولدى حلبة الكفر فرسا رهان.
أما المفتونون به الضالون، فقد أوقعوا أنفسهم في خطيئة ذات شقين يستحيل غفرانها؛ الأول: أنهم أوردوا عيسى بغلوهم فيه موردًا يعتذر عند الله فيه يوم الحشر بين يديه؛ إذ يقول له وهو تبارك وتعالى أعلم:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(المائدة: ١٦، ١٧).
وأما من أبغضه أو سبه ولعنه، فإنما أوردوه بفعلهم موردًا يكون حسيبهم فيه، والقائم دونه يأخذ حقه منهم، ثم نحن نسأل: لماذا عيسى إله، ألأنه من روح الله، أم لأنه بدون أب، أم لأنه يحيي الموتى؟ فلئن كان من حيث هو روح من الله فآدم -عليه السلام- كذلك، نفخ الله فيه من روحه بعد أن سواه من تراب، وعيسى نفخة من روح الله، فلماذا وجبت الألوهية لعيسى ولم تجب لآدم؟!