فأذكر فيه هذا أنني قرأت التوراة فلم أجد فيها حديثًا عن اليوم الآخر بتة! نعم ... لم تذكر التوراة شيئًا عن الآخرة، ولا عن الملائكة، ولم تذكر جنة ولا نارًا، وكل ما تعد به المحسنين مادي دنيوي فحسب، وذكر الآخرة لم يرد في نص واحد أو صريح؛ وكل ما ورد فيها من إشارات مثل كلمة "آخرتهم" أو "آخرتها" فإنها يحتمل أن تؤول إلى نهاية الأمر؛ لذلك كانت الحياة الدنيا هي غاية همهم، والمادية هي مبتغاهم الأسمى؛ بل شعارهم الذي يسيرون وراءه لا يضلون عنه؛ فقد صاروا نفعيين أنانيين يهدمون المبادئ من أجل ذواتهم ويدوسون المصالح العامة في سبيل منافعهم الشخصية؛ فحملتهم أنانيتهم ونفعيتهم أن يسلكوا كل سبيل مُلتوٍ وكل طريق منحرف للحصول على المال والمنافع؛ فلم يتورعوا عن الكذب والخداع، والغش والنفاق والتضليل.
إن عدم ذكر اليوم الآخر عند اليهود في توراتهم المحرفة جعلهم لا يؤمنون إلا بالمادة، ولا قيمة للمعنويات عندهم، ولا وزن للأخلاق، ولا نصيب للروح، ولا مكان للمبادئ، ولا محل للصدق والوفاء، ولا وجود للأمانة والحياء؛ فهذه أمور لا يعرفها اليهود، وسائر الصفات التي هي فوق الغرائز.
وهذا الإيمان بالماديات وحدها يقضي على مقومات الأخلاق الإنسانية والاجتماعية؛ بل على حقيقة الإيمان الديني؛ لأن جزءًا كبيرًا من الدين قائم على ما وراء المادة والغيبيات ... إنه الإيمان بالغيب، ومنه الإيمان باليوم الآخر؛ ولذلك نرى اليهود لغلبة المادة وسيطرتها عليهم لا يؤمنون باليوم الآخر وما فيه.