عن عيسى وأمه كما حدثتنا الكتب السابقة أيضًا، بأنهما كانا يأكلان الطعام، وأكل الطعام كناية عن التغوط، وقد كان يجب لله تعالى لو سبق في حكمه أن يكون إنسانًا، وينزل لمقابلة عباده كما زعموا، أن يمتنع عن التغوط؛ إذ هو دنية ابتلي بها آدم وبنيه، مبنية على نقصهم وضعفهم، وهو تعالى المختص بالكمال والموصوف بالعظمة والجلال، فلا يليق به تلك الدنية.
ولا نعلم من فرق المسيحية من يقول: إن عيسى لم يكن يتغوط ولا يبول، حاشا لله أن يحقر خلقًا له بدنية، يراها أخص الآدميين عارًا في نفسه لم يتشبه بعبيده فيها، بل كان يتركها دون غيرها من صفات الإنسانية. يوضح الله -عز وجل- الحقيقة بقوله:{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}(المائدة: ٧٥).
وكيف يكون عيسى ابنًا لله كما زعموا، وليس لله زوجة وكذلك لا ولد بدون زوجة، فكيف يكون إذًا {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(الأنعام: ١٠١). ولم يكون لله ولد، مع أن كل الناس عباد لله، وعلى افتراض جدلي: لو أن لله ولدًا لعبدناه جميعًا وعلى رأسنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}(الزخرف: ٨١).