ابتدأ التاريخ البشري بإنسان فيه كل خصائص الإنسان، وفيه جميع عناصر المادية والروحية، وصورة من كل إنسان، من ولده جاء بعد ذلك، وهو صورة لآخر فرد يولد في هذه الحياة، أول إنسان كآخر إنسان خلق من تراب فيه كل عناصر الأرض، وابتدأ التاريخ البشري بنبي جاء بالدين نفسه الذي جاء به آخر نبي، وخاتم الرسل -عليهم الصلاة والسلام.
ووحدة الدين إنما تبدو من خلال قاعدتين أساسيتين: وحدة الموضوعية في دعوة الناس جميعًا إلى رب واحد لم يخالف في ذلك نبي من الأنبياء، ورسول من الرسل دعوة إلى التوحيد الخالص منذ آدم -عليه السلام- حتى ختم الرسالات {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء: ٢٥)، فدعوة التوحيد هي الأصل الذي جاءت به رسالات السماء، وما الشرك والتعدد إلا مخالفة، واستثناء، كما أعلن جميع الأنبياء عن إسلامهم لله رب العالمين.
والقاعدة الثانية: وحدة التنظيم، فإن الأنبياء جميعًا يدعون أقوامهم إلى انتهاج منهج واحد في أسلوب حياتهم، فالتشريع في الدين منذ آدم، وإلى آخر الأنبياء في الأصل واحد {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الجاثية: ١٨) ومثاله العبادات في أصولها، وإن اختلفت طرق الأداء والكيفيات، وكذا تنظيم العلاقات، والحض على مكارم الأخلاق، وحسن المعاملات {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}(المائدة: ٤٨).
وبذلك أتم الله النعمة، وأكمل الدين بخاتم النبيين -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وقال الله جل وعلا:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة: ٣)، وبذا يستبين لنا هل هو دين أم أديان، أنه