للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بعث إلى امرأة كاهنة في ذلك الزمان، وكانت ذات جأش وقوة، فشهدت له أنها رأت مثل الذي رأى، فقوي تصديق العامة بذلك، وفي هذا كله لا يعلمون لذلك الرسم تأويلًا، ولم يكن قسطنطين قد كشف لهم شيئًا من أمره، وخرج بهم إلى عدوه ووعظهم، وهول عليهم أمر الرسم فحصل له كل ما أراد من جد القوم واجتهادهم معه.

فلما عادوا إلى أوطانهم سألوه عن تأويل ذلك الرسم وألحوا عليه فيه، فقال: أوحي إلي في نومي أنه كان الله تعالى هبط من السماء إلى الأرض، فصلبته اليهود فهالهم ذلك كثيرًا، مع ما تقدم عندهم من تصديقه وعظم عليهم الخطب فيه، فانقادوا إلى قسطنطين انقيادًا حسنًا، وصح له منهم ما أراد، وشرع لهم في هذه الشرائع التي بأيديهم إلى اليوم أو أكثرها.

وقد ظهر لجماعة من أهل العلم غير أولي الشرائع من ذلك الزمان أن هذا الشخص الذي تعظمه النصارى وتصفه بالألوهية، لم يكن ولا وجد في العالم، ولكن قسطنطين ابتدع ذلك كله، واتفق مع نفر من أحبار اليهود وعلمائها على أن يعطي لهم ما يطلبونه من متاع الدنيا، ويشهدون له عند قومه، بأن ذلك الشخص كان عند اليهود فصلبته، وأن تضع الأحبار ذلك مستورًا عند اليهود، ففعلت وألقت من أخباره شيئًا، وشهدت أن ذلك القول صحيح، وأنه جمع بعد صلب ذلك الشخص بسنين قلائل، فبقيت النصارى على ذلك الإحداث في شريعتهم، مع افتراءات بمنامات تدعيها النساء، ومن لا يوثق به، فيدون ذلك وتشرع به زائدًا على ما كان بأيديهم.

فلما بعث الله رسولًا كريمًا وأنزل عليه كتابًا حكيمًا، وأيده بالآيات وأنجده بالمعجزات، فصدع بالحق المبين وقطع الشك باليقين، نكسوا على أعقابهم وارتدوا على أدبارهم فاعجب.

<<  <   >  >>