يفيدهم في الآخرة، ولذلك تكون روح الميت في أشد الألم إذا لم تقدم القرابين من طعام وشراب، وما إلى ذلك من مطاعم الأحياء في الدنيا إليها.
والحق أنه مهما يكن في الديانة المصرية القديمة من أوهام وعقائد فاسدة، لا تستمد من المنطق قوتها، فإن الآداب التي اشتملت عليها، والفضائل التي تدعو إليها، وخصوصًا الجانب السلبي منها، كانت معينًا خصبًا، قبست منه الديانات غير المنزلة، ولقد كانت ديانة القدماء المصريين تتغير وعقائدهم تتبدل تبعًا لسنة الله في الأمم والكون، ما دامت ديانتهم لم تعتمد على أصل سماوي.
بل إن الديانات السماوية نفسها قبل الإسلام كان يعتريها التحريف والتغيير والتبديل، وتفهم على غير وجهها عندما يكون الناس على فترة من الرسل، والواقع أن عقائد المصريين كانت تتخالف بتخالف الأقاليم نفسها، وكانت آلهتهم محلية فكل مدينة كانت لها آلهتها، فكان موطن أوزوريس أبيدوس، وفِتاح في منف وآمون في طيبة، وهودوس في إدفو، وهكذا ومن هذا يفهم أنه لم يعرف المصريون حتى التوحيد الإقليمي، بأن يجتمع على آلهة واحدة في كل إقليم، ويتفقوا عليها مهما تتباين جهات إقامتهم، بل كانت آلهتهم محلية كل إقليم له آلهة خاصة.
فمما لا شك فيه أن المصريين عرفوا الدين من قديم، ثم حدثت الانتكاسة بالشرك، وقد تطور من ثالوث إلى تاسوع حتى بلغ المائة، فالمصريون أمة من الأمم هي أسبق الأمم تدينًا، والعقل يسلم بنزول عدد من الرسل إليهم، كلما غابت رسالة نبي جاء نبي آخر، كما هو مقرر في القرآن، ولم تكن محاولة أخناتون في الدعوة إلى التوحيد إلا أنه قرأ التاريخ الديني القديم وتأثر به، وأراد نشره في الناس ولذاك كان توحيده مشوبًا بالوثنية.