ويتلخص مذهب "كنفشيوس" في منهج عيش الرجل النبيل أو الاستقراطي أو المثل الأعلى، أي: أنه شُغل بسلوك الشخص وأفعاله، فاهتم بالشئون العامة ورفى لاضطراب العالم وتعاسته، وأراد أن يجعل الناس نبلاءً -أي: فضلاء- رغبةً في إيجاد عالم فاضل، لذلك حاول أن ينظم السلوكَ إلى درجة تفوق كلَّ مألوف، وأن يدبر القواعد السليمة لكل مناسبة من مناسبات الحياة، وكانت صورة السيد المهذب الذي يهتم بالشئون العامة، والذي يأخذ نفسه بالتأديب الصارم هي المثل الأعلى.
ومات "كنفشيوس" محطم الآمال وهو يقول: لَمْ ينهض حاكم ذكي الفؤاد ليتخذني أستاذًا له، وها قد حانت منيتي. بيد أنه لما مات في سنة ٤٧٨ قبل الميلاد، أقاموا له الهياكل، وعبدوه على سنتهم في عبادة أرواح الأسلاف الصالحين، وأوشكوا أن يتخذوا عبادته عبادةً رسميةً -أي: حكومية- على عهد أسرة "هان" في القرن الثاني قبل الميلاد، وأوجبوا تقديم القرابين والضحايا لذكراه في المدارس ومعاهد التعليم، وكانت هياكله في الواقع بمثابة مدارس يؤمها الناس لسماع الدروس كما يؤمونها لأداء الصلاة، ولم تزل عبادته قائمة إلى أوائل القرن العشرين، فخصوه في سنة ١٩٠٦ بمراسم الإله الأكبر "شانجتي" إله السماء؛ لأنه في عرفهم ند السماء، ومن لم يؤمن اليوم بربوبيته من الصينيين المتعلمين فله في نفسه توقير يقرب من التأليه، وقد جعلوا يوم ميلاده عيدًا قوميًّا، يحجون فيه إلى مسقط رأسه.