كلا فقد اتضحت وجهته الربانية، وعرف من أين جاء، ولم جاء، وإلى من فراره، وأين قراره إنه عن طريق التدين يهتدي الإنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها، والتي تطلب الإيمان بالله تعالى ولا يعوضها شيء غيره يقول تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}(الروم: ٣٠).
واهتداء الإنسان إلى فطرته ليس كسبًا رخيصًا بل هو كسب كبير، وغنى عظيم فيه يعيش المرء في سلام ووئام مع نفسه ومع فطرة الوجود الكبير من حوله، فالكون كله رباني، رباني الوجهة يسبح بحمد الله {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}(الإسراء: ٤٤).
والحقيقة: أن في فطرة الإنسان فراغًا لا يملؤه علم، ولا ثقافة، ولا فلسفة إنما يملؤه الإيمان بالله -جل وعلا- وستظل الفطرة الإنسانية تحس بالتوتر والجوع والظمأ حتى تجد الله وتؤمن به وتتوجه إليه، هناك تستريح من تعب، وترتوي من ظمأ، وتأمن من خوف هناك تحس بالهداية بعد الحيرة، والاستقرار بعد التخبط، والاطمئنان بعد القلق، ووجدان المنزل والأهل بعد طول الغربة، والضرب في أرض التيه كالذي قال:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينًا بالأيام المسافر
فإذا لم يجد الإنسان ربه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد؛ فما أشقى حياته، وما أتعس حظه وما أخيب سعيه إنه لن يجد السعادة، ولن يجد السكينة ولن يجد الحقيقة بل لن يجد نفسه ذاتها كالذين نسوا الله، فأنساهم أنفسهم إن الإنسان خلق عجيب جمع بين قبضة من طين الأرض، ونفخة من روح الله فمن عرف جانب الطين، ونسي نفخة الروح لم يعرف حقيقة الإنسان، ومن أعطى الجزء