[وجعل لهم وسيلة إلى اجتلاب النفع منه ودفع الضر، وذلك بأن يعظِّموه ويتضرَّعوا إليه]. [*]
قلت: الأمم التي قالت بوجوده ليس عندها أكثر من التخرُّص، فالعاقل إذا فكر وتدبر علم أنه إن فرض وجوده ثم أخذ يعظِّمه ويتضرع إليه كان بذلك قد سواه برب العزة في رجاء النفع الغيبي والتعظيم والتضرع لأجله، فهو في ذلك على خطر غضب الله عز وجل عليه؛ إذ سوَّى به غيره، بل سوى به ما لم يثبت وجوده.
وإن أعرض عنه واقتصر على تعظيم الله عز وجل والتضرع إليه فإنه سبحانه لا يضيّعه؛ لعلمه أنه إنما حمله على ذلك الخوف من أن يقول على الله بلا علم، أو أن يسوِّي به غيره لمجرد تخرُّص.
والعاقل يرى أن هذا الثاني هو المتعين، فإن فرض وجود ذلك المفروض فإن الله عز وجل يغنيه عن نفعه ولا يمكِّنه من ضره.
ووجه آخر: وهو أن الأمم المشار إليها تقول بوجود عدد كثير بالصفة المذكورة، وأن الإنسان إذا عظَّم بعضَهم وتضرَّع إليه غضب عليه غيرةً منهم وأراد به الضر، وأن الإنسان قد يتضرع إلى فردٍ منهم ويعظمه، ويتضرّع عدوّه إلى فرد آخر ويعظمه، فيريد صاحب عدوه به الضر، وأنه إن تضرع إلى اثنين وعظَّمهما غضب عليه الذي يرى نفسه أنه أعظمهما، قائلًا: كيف سوَّى بيني وبين من هو دوني؟! فيريد به الضر، وأولى من ذلك إذا قال: أنا أتضرَّع إليهم كلهم، وأعظّمهم كلهم].
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس بالمطبوع، وهو ثابت في الأصل الوارد من «عطاءات العلم» جزاهم الله خيرا.