للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى عن مشركي العرب أنهم يعترفون بوجود الله، وأنه الذي يرزقهم من السماء والأرض، والذي يملك السمع والأبصار، والذي يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، والذي يدبر الأمر، والذي له السموات والأرض، وأنه رب السموات السبع ورب العرش العظيم، وأنه بيده ملكوت كل شيء، والذي يجير ولا يجار عليه، وأنه الذي خلق السموات والأرض، وسَخَّر الشمسَ والقمر، وأنه الذي ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها، وأنه العزيز العليم (١). إلى غير ذلك مما بينت كثيرًا منه في رسالة "العبادة" (٢).

إذا عرفنا ذلك فقولهم: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} لا يمكن أن يُحْمَل على إنكار وجود الرب، ولا إنكار تدبيره مطلقًا؛ إذْ لا دلالة فيه على ذلك، وقد عُلِم أن القوم كانوا يعترفون بوجود الرب، وأنه المُدبِّر مطلقًا.

إذًا بقي أن يقال: إنهم إنما أنكروا أن يكون الله تعالى هو الذي يهلكهم، وهذا بعيد؛ لأنه يوجد في كلامهم ما يخالفه.

والذي يظهر لي في قولهم: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} احتمالان:

الأول: أن يكون هذا قول فرد أو أفراد منهم، عاندوا به ما أُوْرِد عليهم في إنكار البعث، فإن سياق الآيات إنما هو لإثبات البعث، كأنه قيل لهم: إن الله تعالى إنما يميت الناسَ ليرجعهم إلى ما أعدّ لهم مما يستحقونه، وإلا


(١) راجع سورة يونس الآية (٣١ - ٣٣)، وسورة المؤمنون الآية (٨٤ - ٨٩)، وسورة العنكبوت الآية (٦١ - ٦٣)، وسورة لقمان الآية (٢٥)، وسورة الزمر الآية (٣٨)، وسورة الزخرف الآية (٩)، والآية (٨٧) [المؤلف].
(٢) سبقت الإشارة إليها في الصفحة السالفة.