إن من الأدلة على وجود الرب تبارك وتعالى وأن الهداية بيده هو: النظرُ في حال الملحدين، فإنهم تبحَّروا في النظر في عجائب المخلوقات، فأدركوا فيها ما لم يدركه مَن قبلهم، ولكنهم نظروا فيها لذاتها، لا ليهتدوا بها إلى حق، بل قام بهم من بغض الدين واحتقاره والاستكبار عن آياته ما استحقوا به خذلان الرب تعالى، فكان مبلغ علمهم أنهم يخرصون أن هذا الفضاء قديم، وأن فيه مادة مبثوثة يسمونها:"الأثير"، فيها عدة قُوى من جَذْب ودَفْع وحركة وغير ذلك، وأن تلك المادة بما فيها من القوى يتركَّب منها بعد عصورٍ ذرات صغيرة، سماها بعض المصريين:"الجواهر الفردة"، وهذه الذرات يختلف تركيبها من المادة الأصلية، وباختلافه تختلف، فمنها ما يكون ذهبًا، ومنها ما يكون فضة، إلى غير ذلك من العناصر.
قالوا: وإذا أذبنا الذهب مثلًا إلى أقصى درجات الإذابة، فإنما ينحلّ إلى هذه الذرات، وهكذا سائر الأجسام حتى المائعات والغازات، وهي العناصر الهوائية.
قالوا: وهذه الذرات صلبة لا يمكن هدمها.
قالوا: وإذا صار بعض المادة ذرات أحدثت لها قوى أخرى، ثم كأنها بمجموع القوى التي فيها تتجمع وتكون كوكبًا واحدًا، ثم يعرض لذلك الكوكب ما يكسره، فتتطاير الكِسَر هنا وهنا، فحدسوا أن أرضنا هذه متعلقة هي والسيارات التي حولها بالشمس، وأن الشمس هي الأم، ولا يدرون أتكونت ابتداءً، أم هي قطعة من كوكب أعلى منها؟