للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٢٣] الباب الأول: في الضروريات

وهي أصول:

[الأصل الأول: وجود رب العالمين]

اعلم أن الأمم التي سمعنا بها من الأولين والآخرين وبلغنا شيء من أخبارها كلها مقرِّة بوجود رب العالمين، وقد بسطتُ في رسالة "العبادة" (١) ما تيسر لي من أدلة ذلك عن قوم نوح، وقوم صالح، وقوم هود، وقوم إبراهيم، والمصريين في عهده، ثم في عهد يوسف، ثم في عهد موسى، حتى فرعون نفسه، وأوضحتُ ذلك بالأدلة الشافية. وهكذا حال اليونان والهند والصين والمجوس والترك وغيرهم، وكذلك سائر الأمم المتوحشة، حتى زنوج أمريكا (٢) التي لم تُكْتَشف إلا منذ أربعمائة سنة.

وأما الأفراد فقد يكون من السابقين من تشكَّك في وجود رب العالمين، أو كابر فجحد، كما يقع نحو ذلك من أفراد من الإفرنج المتأخرين، الذين قَصَروا علمهم على المحسوسات، كما تقدم.

فأما ما شاع في الكتب من تسمية فرقة من الفرق بـ "الدهرية"، فأصل هذا الاسم مأخوذ من قول الله تبارك وتعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية: ٢٤ - ٢٥].


(١) (ص ٤٣٩ - ٥٥١).
(٢) المعروف أن الزنوج إنما جُلبوا إلى أمريكا مؤخّرًا عبيدًا للخدمة، ومن سكنها قديمًا إنما هم الهنود الحمر.