للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقدمات

الأولى: في أصول لا بد منها

الأصل الأول

من المعلوم أن الإنسان يولد لا يعلم شيئًا، وإنما معه الإحساس بالألم ونحوه، أعني بحيث إذا قُرِص ظَهَر إحساسُه بألم القَرْصَة. وهذا الإحساس يلزمه منذ نفخ الروح، وليس هو بِعلمٍ، ومعه إلهامٌ فطري، به يلتقم الثدي ويمتصُّه. وهذا مع وضوحه لا أحفظ فيه خلافًا، وقد قال الله عز وجل: [{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}] [النحل: ٧٨] (١).

ثم عَقِب الولادة يشرع في إدراك المحسوسات بحواسه، ثم يتدرَّج بطريق القياس.

تجري العادة بأن أمه إذا أرادت إرضاعه ترفعه من مَهْده، فإذا تكرر هذا أدرك بطريق القياس أنه إذا رفعته من مهده فإنها سترضعه، فتراه إذا مسَّه الجوع يبكي، فإذا أخذَتْه من مهده سكت، فإذا مضت هُنَيهةٌ ولم ترضعه عاد إلى بكائه. وهكذا تتربّى معلوماته بالإحساس والقياس، ويقوى القياس في نفسه بالتكرر، وذلك هو الاستقراء.

ثم بالإحساس والقياس ترتسم في نفسه القضايا الأولية، مثل أن الوجود والعدم لا يجتمعان ولا يرتفعان، وأن الشيء أعظم من جزئه، ويرتسم في


(١) بيّض المؤلف للآية أملًا في إلحاقها، ورجّحت أنه أراد الآية التي أثبتُّها.