للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسه أن الحادث لا بد له من مُحْدِث.

والمقصود أنّه إنما يدرك بحسه أو بقياسه على ما أدركه بحسه. غاية الأمر: أن العقلَ يتصرَّف في المحسوسات والمقيسات، فيحكم فيها بأن هذا صواب جزمًا أو رُجْحانًا، وهذا خطأٌ كذلك، وهذا محتمل.

وهذه الحال تلازم الإنسان مدة حياته، إلا أنه كلما كبر وتعلَّم وتعقَّل وتفكر اتسعت دائرة معلوماته بكثرة الإحساس والتوسع في القياس وقوة العقل.

[ص ٣] فإذا كان معك في البيت إنسان، فإنك تدرك وجودَه برؤيتك له، أو بسماع صوته أو حِسّه، أو بلمسك له (١)، أو شمك لرائحته.

وتُدْرِك أنه إنسان باستقرائك السابق أن ذلك الشكل، أو ذلك الصوت، أو ذلك الملمس أو الرائحة إنما يكون للإنسان.

وتدْرِك أنه فلانٌ باستقراء آخر، وهو أن ذلك الشكل والصوت والملمس والرائحة إنما يكون لفلان.

وقد تخرج من حُجرتك ولا تدع بها أحدًا ثم تعود إليها عن قُرْب، فتجد حادثًا قد حدث فيها، فتعلم بسابق استقرائك مع حكم عقلك أنه إنما حدث عن سبب، فإذا أحببت معرفة السبب نظرتَ في ذلك الحادث مستعينًا باستقرائك السابق، فقد تكون ورقةٌ خفيفةٌ قد تحولت عن موضعها، فتُجوِّز أن يكون السبب هو الريح. وقد يكون كتابٌ كان في موضع غير متمكِّن فيه، فترى أنه


(١) في الأصل: "أو بلمسك لك"، سبق قلم. والكلمة على الصواب في صياغات سابقة لهذه الفقرة ضرب عليها المؤلف.