كما أن العقل محتاج إلى الحِسّ والقياس في حُكْمه بالإثبات، فكذلك هو محتاج إليهما في حكمه بالنفي، سواءً أصاب أم أخطأ.
أما الحس؛ فظاهر، كأن تكون بصيرًا، فتحكم بأنه ليس معك في حجرتك إنسانٌ آخر.
وأما القياس؛ فكما تحكم أن تسع بيضات لا تمكن قسمتها ــ وهي سالمة ــ إلى قسمين متساويين في العدد، وكما يُكذِّب أناس بوجود الشياطين معهم، وكما يكذِّب كثير من الناس بخوارق العادات، وكما قد تكذِّب من يقول لك: وُلد لي ولد له ثلاث أعين.
* * * *
[الأصل الرابع: الأغلاط]
أما أغلاط الحواسّ؛ فمنها رؤية الجسم البعيد صغيرًا، ورؤية من يغمز إحدى عينيه الشيءَ شيئين، وغير ذلك مما تراه في كتاب "المواقف"(١)، وغيره.
وأما أغلاط القياس؛ فمنها أنك إذا جئت بإنسان لم تسبق له معرفة بالمذياع، فأوقفته خارج حُجرة فيها مِذْياع، ثم دخلتَ وفتحتَ المذياع، وعدت إلى صاحبك، فإنه إذا سمع المذياع حكم بأن في الحُجْرة إنسانًا يتكلّم، وأمثال هذا كثيرة.