للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} ١.

وقالو: ومما جاء على حذف الفاعل قوله تعالى في شأن سيدنا يوسف عليه السلام: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} ٢.

والأصل ثم بدا لهم الأمر ولكنه حذف، وحذفه يشير إلى الاستخفاف به؛ لأنه أمر ساقط جائر، فقد بدا لهم بعد ما رأوا الآيات، فكيف يسجنونه؟

ومما جاء على حذف الفاعل لقوة الدلالة قولهم: أرسلت وهم يريدون جاء المطر، ولا يذكرون السماء، ولكنهم لا يقولون هذا إلا في حال سقوط المطر، ولذلك كانت الدلالة على المحذوف راجعه إلى قرينة الحال الواضحة، قال ابن الأثير في بيان حذف الفاعل:

"وقد نص عثمان بن جني رحمه الله تعالى على عدم الجواز في حذف الفاعل، وهذه الآية وهذا البيت الشعري، وهذه الكلمة -أراد قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} ٣، وقول حاتم: أماوي ما يغني الثراء عن الفتى، وقولهم: أرسلت- خلاف ما ذهب إليه إلا أن حذف الفاعل لا يجوز على الإطلاق بل يجوز فيما هذا سبيله، وذلك أنه لا يكون إلا فيما دل الكلام عليه ... وأما قول العرب: أرسلت وهم يريدون أرسلت السماء، فإن هذا يقولونه نظرا إلى الحال، وقد شاع فيما بينهم أن هذه كلمة تقال عند مجيء المطر، ولم ترد في شيء من أشعارهم، ولا في كلامهم المنثور، وإنما يقولها بعضهم لبعض إذا جاء المطر، فالفرق بينها وبين حشرجت، وبين بلغت التراقي ظاهر، وذلك أن حشرجت، وبلغت التراقي يفهم منها أن النفس التي حشرجت، وأنها هي التي بلغت التراقي، وأما أرسلت فلولا شاهد الحال، وإلا لم يجز أن تكون دالة على مجيء المطر، ولو قيل في معرض الاستقساء: إن خرجنا نسأل الله فلم نزل حتى أرسلت، لفهم من ذلك أن التي أرسلت هي السماء، ولا بد في الكلام من دليل على المحذوف، وإلا كان لغوا لا يلتفت إليه".


١ الأنعام: ٩٤.
٢ يوسف: ٣٥.
٣ القيامة: ٢٦.

<<  <   >  >>