للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالعرض هناك عرض في الحشر، والعرض هنا عرض على النار أي تعذيب بها وإحراق، والعبارة عن التعذيب بقوله: يعرض الذين كفروا على النار، فيها مزيد من السخرية فالقوم متاع للنار يقدم إليها، ويعرض عليها، فهم مددها وحطبها، والمهم أن الاتجاه إليهم ويعرض عليها، فهم مددها وحطبها، والمهم أن الاتجاه إليهم بالخطاب، وهم في هذا العرض الكارب، وتذكيرهم بما أوبقهم من حب العاجلة له في صرف النفس عن ملذات الدنيا الصارفة عن طيبات الآخرة أثر بالغ.

ومن جديد ذلك قوله -تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} ١.

وفي حذف القول وفاعله، والاتجاه بالخطاب إليه مباشرة -كما قالوا- مزيد عناية بأمر التوحيد، وكأنه قال: إياك وهذه، وقوله: وإن جاهداك، تعبير له مغزى جليل، أي لا تفعل ذلك أبدًا وإن حملاك، وبلغا منك الجهد في ذلك.

ومما جاء فيه حذف الفعل، والفاعل في غير باب القول قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر: "ما تزوجت"؟ قال: ثيبا ... فقال: "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك"٢، يريد: فهلا تزوجت جارية فحذف الفعل، وفاعله لدلالة الكلام، ولهذا الحذف فضيلة الإيجاز الذي طبع عليه بيان النبوة، وسياقه لا يقتضي أكثر من أن يرمي الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الموجزة.


١ العنكبوت: ٨.
٢ رواية البخاري: "هلا تزوجت بكرًا تلاعبها"، انظر ج٤، ص٩-ط بولاق.

<<  <   >  >>