للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وحدك تكدرين عيشي أو تسعدينه وفق ما تشائين هذا أمر معروف، وقصة يعرفها الناس وهكذا.

وهذه الدلالة الهامسة تكمن في طبيعة التعريف بالصلة كما أشرنا؛ لأنها لا بد أن تكون أمرًا معروفا كما يقول النحاة، وترى هذه الإيماضة الجاذبة حين تتأمل مواقعها في الكتاب العزيز اقرأ قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} ١، تجد أن التعريف بالصلة فوق دلالته على الاختصاص يشير إلى أن أمر إنشاء السمع، والأبصار ذلك الأمر الذي تشغل به النفوس، أو ينبغي أن تشغل به مختص به سبحانه، ولو قال: هو أنشأ لكم السمع، والأبصار لخلا التعبير من هذه الإشارة.

ومثله: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} ٢، وقوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ٣، أي أن قصة ذرئكم في الأرض وانتشاركم فيها على هذه الصورة، تلك القصة التي أثارت النفوس إلى التعرف على مصدرها مختصة بالله سبحانه، وكذلك قصة خلق الليل والنهار والشمس، والقمر تلك القصة اللافتة، والتي جذبت أنظاركم إلى محيط النظر فيها إنما فاعلها هو الله، ولو حذفت الموصول في ذلك، ونقلت الجملة من وضعها أي كونها صلة لها هذه الخصوصية إلى أن تكون خبرًا فحسب لذهب هذا المعنى.

ومما هو واضح في إفادة الاختصاص قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى، قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ٤، أي أنت الأعلى لا هم، وانظر إلى دقة التعبير عن حال موسى عليه السلام، وكيف استطاعت كلمة أوجس أن تصور في دقة بارعة هواجس الخوف التي أنبثت فجأة في


١ المؤمنون: ٧٨.
٢ المؤمنون: ٧٩.
٣ الأنبياء: ٣٣.
٤ طه: ٦٧، ٦٨.

<<  <   >  >>