للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أهواءهم مستحيل، والمقصود التعريض بغيره، والفائدة ما ذكرناه في الآية السابقة.

ثم في هذا الأسلوب فائدة أخرى جليلة هي الإشارة إلى سلطان الألوهية القاهرة، وتحديد منزلة محمد صلى الله عليه وسلم من هذا السلطان، وأنه ليس إلا رجلا منكم يخاطب خطابكم، فلا يتوهم متوهم أنه صلى الله عليه وسلم على شيء من صفات الألوهية، وإن قربه ربه أحسن تقريب، وكرمه أكمل تكريم وبهذا، ومثله مما يحدد ويعمق صفة البشرية في رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمن القرآن، ويحفظ نقاء عقيدة التوحيد، فلا يشوبها في الإسلام ما شابها في الشرائع الأخرى، حيث قال النصارى: المسيح ابن الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وشيء آخر في هذا الأسلوب هو الإشارة إلى أن التفاضل، والقرب عند الله مناطه العبادة والتقوى، فأنت يا محمد وإن كنت رسولا من أكرم الرسل، ونبيا مقدما في الأنبياء إنما مرجع ذلك لخشيتك، وتقواك، وعبادتك وخلوصك في الوحدانية، فإذا كان منك غير ذلك حبط كل عمل عملته، ولهذا المعنى يذكر القرآن الأنبياء بلفظ العبد كما في قوله: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} ١، للإشارة إلى أن البشرية كلها سواء في العبودية، وإلى أن فضيلة هؤلاء إنما كانت بالعبادة.

ثم نعود إلى النسق، فنقول: ذكر السكاكي من صور التعريض، وإن لم يكن بطريق -إن- قوله تعالى على لسان سيدنا محمد: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ٢، والمراد: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم، وإليه ترجعون؛ لأنه لو كان على ظاهره لقال: ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه أرجع، وقد سيقت هذه الآية في شواهد الالتفات؛ لأنه انتقل فيها من التكلم إلى الخطاب، ومثلها قوله تعالى: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ، إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ٣. إذ المراد: أأتخذ من دونه آلهة إن يردكم الرحمن بضر


١ الجن: ١٩.
٢ يس: ٢٢.
٣ يس: ٢٣، ٢٤.

<<  <   >  >>