للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} ١، ولو قال: والذاكرين الله كثيرا والذاكراته لكان فيه من المخالفة ما ترى.

ومن الواضح أن أسلافنا درسوا النغم، والألحان وآثارها النفسية، وفلسفتها البيانية، وبينوا كيف تعمل النغمات عملها في تحريك النفوس، وبعث العزائم نحو الأعمال الشاقة، وكيف تقوي عزماتها على ما تبذل فيه المهج، وذكروا الألحان المستحبة، وألحان الحروب، وذكروا مصاحبة الغناء للألحان، ورتلوا أناشيد الحروب المصحوبة بضرب الدفوف، وذكروا أن من الأوزان والإيقاعات ما يثير الأحقاد الكامنة، ويلهب نيران الغضب، ومن الأوزان والأنغام ما يسكن سورة الغضب، ويذهب بالأحقاد ويوقع الصلح، وقالوا: النغم فضل بقي من المنطق لم يقدر اللسان على استخراجه، فاستخرجته الطبيعة بالألحان على الترجيع لا على التقطيع، فلما ظهر عشقته النفس، وحن إليه القلب، وغير ذلك كثير مما يخصب النفس، ويعمق فهمها للأساليب.

وقد أقام القرآن أسلوبه على نظام من التآلف الصوتي العجيب لوحظ ذلك في حروفه، وكلماته، وجمله، وصارت أصواته كما يقول المرحوم الرافعي: ألحانا لغوية رائعة كأنها لائتلافها وتناسبها قطعة واحدة قراءتها هو توقيعها.

والرماني ذكر التلاؤم في القرآن وجها من وجوه أعجازه، وهو مما نحن فيه.

والقول في هذا يطول وبسطه يحتاج إلى دراسات مستقلة، وحسبنا في سياقنا ما ذكرناه من أنه لا ضير على بلاغة القرآن من القول بأن الحذف هنا لمراعاة فواصل الآيات، مع إفادته ما يمكن أن يفيده في سياقه من أغراض أخرى.


١ الأحزاب: ٣٥.

<<  <   >  >>