للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد يقع الترتيب على وفق تدرج أحوال النفس، وما يصحب ذلك من التصاعد في الإحساس، فنرى ترتيب المعاني في الأسلوب تتصاعد مع هذا الشعور وتترقى معه.

انظر إلى وصف القرآن أهوال يوم القيامة، وشغل كل امرئ بنفسه وفراره من أهله، وكيف تتابع أسلوبه مع تتباع هذه الأحوال؟ يقول: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} ١، بدأ بالفرار من الأخ بالأبوين، والأبوان أقرب من الأخ، والمكروب يفر من أخيه قبل أن يفر من أبيه، فإذا زاد الكرب فر من الأبوين، وبقي مستمسكا بالصاحبة والبنين، فإذا ما تضاعف الكرب فر من الصاحبة وبقي متعلقا بولده، وناهيك عن حال الهول، والكرب الذي يفر فيه الوالد من بناته وبنيه.

أرأيت كيف تدرج الأسلوب بأحوال إحساس النفس بالهول، وكيف تنزلت الكلمات منازلها في اللفظ، والنفس على سواء؟

وقد كتبنا فصلا نافعا، إن شاء الله في هذا الباب استنبطناه من تفسير الكشاف في كتابنا "البلاغة القرآنية" فليراجع هناك، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


١ عبس: ٣٤-٣٦.

<<  <   >  >>