للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

{رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} ١، أقول: إن هذا ومثله مما يجب على دارس بلاغة القرآن، وآداب اللغة أن يطيل النظر فيه، وما أعظم هذا المثل وما أروع دلالته على ما نحن فيه، راجع وتأمل، وانظر حولك، واقرأ الواقع الحي كما تقرأ الكتاب.

وانظر قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا، وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى، وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى، وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} ٢.

تجد التوكيد بضمير الفصل في قوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} ؛ لأنه يظن أن الناس يضحكون، ويبكون بالبناء للمعلوم، أي يسرون غيرهم ويحزنونهم، فأكد اختصاصه -سبحانه- بذلك ليبطل أن يكون لغيره سبحانه فاعلية في شئون عباده حتى الإضحاك والإبكاء، وهي أقرب الأفعال إلى أن تكون مظنة للشركة، وجاء بالضمير أيضا في قوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} ؛ لأنه قد يظن أن الإنسان يميت بالقتل أو يحيي بالقوت، هذا ما يفهم من كلام العلوي، ولا يبعدي عندي أن يكون للرد على من ينكرون الإحياء بعد الإماتة، ثم لم يأت بالضمير في الآية التي بعدها؛ لأن خلق الإنسان مما لا تظن الشركة مع الله في فعله، ثم إن المعاندين أنفسهم لم يتشددوا في إنكار مخلوقيتهم لله؛ لأنهم يقولون في السموات والأرض: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ٣؛ وأكد في قوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} ؛ لأنه مما يظن فيه الشركة، وذلك واضح، فقد يعتقد الإنسان أنه يقني غيره، أو أنه يقني نفسه، فاستأصل ذلك ليقرر في الضمير أن العطاء، والمنع في قبضة واحد لا شريك له، وبذلك لا يتطلع المسلم إلا إلى السماء، هذا معنى لو تأملت آثاره في تكوين الذات لوجدته كبيرا جدا، ومعنى أقنى: أعطى القنية وهي


١ يس: ١٦.
٢ النجم: ٤٣-٥٠.
٣ الزخرف: ٩.

<<  <   >  >>