للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأستاذ ذلك في "التأنيب" (١)) فكأنه كره قولَ أبي حنيفة: "هاتها"، لما يُشْعِر به من الاستعداد لما يكرهه ابن عيينة. وكان أبو حنيفة من الفريق الذين يرون أن على العالِم إذا سُئل عما يتبين له وجه الفتوى فيه أن يفتي؛ للأمر بالتبليغ، والنهي عن كتمان العلم، ولئلّا يبقى الناس حيارى لا يدرون ما حكم الشرع في قضاياهم، فيضطرَّهم ذلك إلى ما فيه فساد العِلْم والدين. ولا ريب أن الصواب مع الفريق الثاني، وإن حَمِدنا الفريق الأول حيث [ص ١٤] يكفّ أحدهم عن الفتوى مبالغةً في التورع، واتكالًا على غيره حيث يوجد.

فأما الجرأة فمعناها الإقدام، والمقصود هنا ــ كما يوضِّحه السياق وغيره ــ الإقدام على الفتوى، فمعنى "الجرأة على الله" هنا هو الإقدام على الإفتاء في دين الله، وهذا إذا كان عن معرفةٍ موثوقٍ بها فهو محمود، وإن كرهه المبالغون في التورُّع كابن عيينة، وقد جاء عن ابن عمر أنه قال: "لقد كنتُ أقول: ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه أوتي علمًا".

وعنه أيضًا أنه قال: "أكثر أبو هريرة. فقيل له: هل تنكر شيئًا مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجَبُنَّا. فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: فما ذنبي إن كنتُ حفظتُ ونسوا".

راجع "الإصابة" (٢)، ترجمة ابن عباس، وترجمة أبي هريرة.


(١) (ط القديمة ص ٩٧، والجديدة ص ١٥٦).
(٢) (٤/ ١٤٧، ٧/ ٤٤١ على التوالي).