للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ ــ قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك

كلام العالِم في غيره على وجهين:

الأول: ما يخرج مخرج الذمّ بدون قصد الحكم. وفي "صحيح مسلم" (١) وغيره من حديث أبي هريرة سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "اللهم إنما محمد بشر، يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهدًا لم تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته أو سَبَبْته أو جلدته فاجعلها له صلاة ... ".

وفيه (٢) نحوه من حديث عائشة ومن حديث جابر.

ولم يكن صلى الله عليه وآله ومسلم سبّابًا ولا شتّامًا ولا لعّانًا، ولا كان الغضب يخرجه عن الحق، وإنما كان كما نَعَتَه ربُّه عز وجل بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] وقوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩] وقوله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]. وإنما كان يرى من بعض الناس ما يضرهم في دينهم أو يُخِلُّ بالمصلحة العامّة أو بمصلحة صاحبه نفسه، فيكره صلى الله عليه وآله وسلم ذلك وينكره، فيقول: "ما له تربت يمينه" (٣) ونحو ذلك مما يكون


(١) (٢٦٠١). وأخرجه أحمد في "المسند" (١٠٤٠٣). والرواية الأخرى عند مسلم أيضًا.
(٢) حديث عائشة رقم (٢٦٠٠) وحديث جابر (٢٦٠٢).
(٣) بهذا اللفظ أخرجه أبو يعلى (٤٢٢٠)، وأخرجه أبو داود (١٨٦) وأحمد (١٨٢١٢) وغيرهما بلفظ: "تربت يداه" من حديث المغيرة بن شعبة، وأخرجه أحمد (١٢٦٠٩) بلفظ: "تربت جبينه" من حديث أنس بن مالك.