للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُسْلِمٍ صَاحِبِ "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ عَلَى مُبْتَغِي الْعِلْمِ وَطَالِبِيهِ أَنْ يَعْرِفَ مَقْدَارَ مَرَاتِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعِلْمِ، وَرُجْحَانَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالْخَوَاصِّ آصِرَةٌ ونَسَبٌ، وَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَصْلَةٌ إِلَى شَفَاعَتِهِمْ وَسَبَبٌ، وَلِأَنَّ الْعَالِمَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُقْتَبِسِ (١) عِلْمِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، بَلْ أَفْضَلُ، وَإِذَا كَانَ جَاهِلًا بِهِ فَهُوَ كَالْجَاهِلِ بِوَالِدِهِ (٢) بَلْ أَضَلُّ".

وَلَعَمْرِي [إِنَّ] (٣) مَنْ يُسْأَلُ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمُزَنِيِّ وَالْغَزَالِيِّ مَثَلًا، فَلَا يَهْتَدِي إِلَى بُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الزَّمَانِ وَالْمَنْزِلَةِ، لَمَنْسُوبٌ مِنَ الْقُصُورِ إِلَى مَا يَسُوؤُهُ، وَمِنَ النَّقْصِ إِلَى مَا يَهِيضُهُ.

وَلَقَدْ قَامَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي رُوَاتِهِ بِحَقِّ هَذَا الشَّأْنِ، فِيمَا أَوْدَعُوهُ فِي كُتُبِهِمْ فِي الْجَرْحِ (٤) وَالتَّعْدِيلِ، وَفِيمَا دَوَّنُوهُ (٥) فَي مُؤَلَّفَاتِهِم المَوْسُومَةِ بِالتَّوَارِيخِ (٦).

وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهُمْ أَضَاعُوهُ، فَضَاعَ مَا اخْتُصُّوا (٧) بِإِدْرَاكِهِ مِنْ تَفَاوُتِ مَرَاتِبِ أَئِمَّتِهِمْ فِي التَّحْقِيقِ، وَاخْتِلَافِ خُصُوصِهِمْ (٨) مِنَ العِلْمِ بِتَوْفِيقٍ.

وَلَمْ أَزَلْ مُنْذُ زَمَنِ الْحَدَاثَةِ ذَا عِنَايَةٍ بِهَذَا الشَّأْنِ، أَتَطَلَّبُهُ (٩) مِنْ مَظَانِّهِ وَغَيْرِ مَظَانِّهِ،


(١) في ب، ق، ز: مكتسب.
(٢) في أ، ب: بوالد، والمثبت من باقي النسخ، ومن الطبقات.
(٣) زيادة من: الطبقات.
(٤) في ب، والطبقات: التجريح.
(٥) في أ: دونه، والمثبت من باقي النسخ، ومن: الطبقات.
(٦) في ب: بالتاريخ.
(٧) في أ: ما خلصوا، والمثبت من باقي النسخ، ومن الطبقات.
(٨) في الطبقات: حظوظهم.
(٩) في ق، ز: أطلبه.

<<  <   >  >>