للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ مُقْتَدًى بِهِ، فَمَنْ ذَا سَلِمَ (١)! وَقَدْ: "عَجِبَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَابٍّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ" (٢) وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَالاِعْتِبَارُ بِحَالِهِ الْآنَ.

وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ سَعِيدِ بْنْ المُسَيَّبِ أَنَّهُ: "لَيْسَ مِنَ شَرِيفٍ وَلَا عَالِمٍ وَلَا ذِي فَضْلٍ (٣) -يَعْنِي مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إِلَّا وَفِيهِ عَيْبٌ، وَلَكِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ عُيُوبُهُ، فَمَنْ كَانَ فَضْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ نَقْصِهِ وُهِبَ نَقْصُهُ لِفَضْلِهِ" (٤).

وَمِنْ هُنَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِمَقَادِيرِ النَّاسِ وَبِأَحْوَالِهِمْ وَبِمَنَازِلِهِمْ، فَلَا يَرْفَعُ الْوَضِيعَ، وَلَا يَضَعُ الرَّفِيعَ؛ لِيَكُونَ مُمْتَثِلًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ" (٥) يَعْنِي مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.

وَلَا يَحْكِي مِمَّا لَعَلَّهُ يَتَّفِقُ لِذَوِي الْوَجَاهَاتِ وَالْوِلَايَاتِ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوْلَةِ؛ مِنَ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ وَالْإِهَانَةِ وَنَحْوِهَا، إِلَّا مَا يُضْطَرُّ لِإِيَرَادِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِشْعَارُ بِمَا يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ فَعَلَ، حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَطَرُّقًا لِمَنْ يَرُومُ فِعْلَ مِثْلِهِ، وَحُجَّةً يَحْتَجُّ بِهَا، كَمَا وَقَعَ لِلْحَجَّاجِ اللَّعِينِ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ.


(١) في أ: يسلم، والمثبت من باقي النسخ.
(٢) أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (١٧٤٩) عن عقبة بن عامر مرفوعًا. حَسَّنه الهيثمي، وضعفه الألباني. انظر: الهيثمي، مجمع الزوائد، ١٠/ ٢٧٠؛ الألباني، ضعيف الجامع، رقم: ١٦٥٨.
(٣) في الكفاية: سلطان.
(٤) انظر: الخطيب، الكفاية، ص ١٣٨.
(٥) صحيح. أخرجه مسلم في مقدمة "صحيحه" ص ٦٤، مُعلَّقًا بصيغة التمريض. وأخرجه أبو داود في "سننه" (٤٨٤٢)، وأبو يعلى في "مسنده" (٤٨٢٦) عن عائشة مرفوعًا. صححه الحاكم وابن الصلاح وابن كثير. انظر: الحاكم، معرفة علوم الحديث، ص ٤٩؛ ابن الصلاح، علوم الحديث، ص ٣٠٧؛ ابن كثير، اختصار علوم الحديث، ٢/ ٥٣٥. وللحديث شواهد لا يُفْرح بها.

<<  <   >  >>