للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللخوفِ مِن ذَلِكَ كَرِهَ (١) أَهْلُ الحَدِيْثِ تتبُّعَ الغرائبِ، كَمَا سيأتي فِي بابِهِ (٢).

(وَمِنْهُ) وَهُوَ ثاني قِسمَيِ العمدِ: (قلبُ سندٍ) تامٍ (لمتْنِ) فَيُجْعَلُ لِمَتْنٍ آخرَ مرويٍّ بسندٍ آخرَ، ويُجعلُ هَذَا المَتْن لإسنادٍ (٣) آخرَ، بقَصْدِ امتحانِ حِفْظِ المحدِّثِ (٤)، واختبارِهِ هل اختلطَ أَوْ لاَ؟ وهَلْ يَقبلُ التلقينَ (٥) أَوْ لاَ؟

(نَحْوُ: امْتِحَانِهِمْ) أي: المُحَدِّثِيْنَ ببغدادَ (إمَامَ الفنِّ) البُخَارِيَّ (فِي مِئةٍ) مِنَ الأحاديثِ، (لَمَّا أَتَى) إِلَيْهِم (بَغْدَادَا) -بألف الإطلاق، وبإهمالِ الدالِ الأخيرةِ عَلَى إحدى اللغاتِ (٦) -.

حَيْثُ اجتمعوا عَلَى تقليبِ مُتُونها، وأسانيدِها، فصيَّروا مَتْنَ سندٍ لسندِ متنٍ آخرَ، وسندَ هَذَا المَتْنِ لمتنٍ آخرَ، وعَيَّنُوا عَشَرَةَ رجالٍ، ودفعوا مِنْها لكُلٍّ مِنْهُمْ عَشَرَةَ أحاديثَ، وتواعدوا عَلَى الحضورِ لمجلس البُخَارِيِّ، ليُلقِي عَلَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمْ عَشَرَتَهُ بحَضْرتِهِم (٧).

فَلمَّا حَضَروا واطمأنَّ المجلِسُ بأهلِهِ البَغْداديِّينَ، وَغيرِهِم مِنَ الغُرَباءِ، مِن أَهْلِ خُرَاسَانَ وغيرِهم، تقدَّمَ إِليهِ واحدٌ مِنَ العَشَرةِ، وسألَهُ عَنْ أحاديثِهِ واحداً واحداً، والبخاريُّ يَقُولُ لَهُ فِي كُلٍّ مِنْها: لا أَعْرِفُهُ.

ثُمَّ الثَّانِي كَذلِكَ، وهكذا إلى أَنْ استوفى العَشَرةُ المئةَ، وَهُوَ لا يزيدُ فِي كلٍ مِنْها عَلَى قولِهِ: لا أعرِفُهُ.


(١) في (ق): ((ذكره)).
(٢) انظر: فتح المغيث ١/ ٢٩٩.
(٣) في (ق): ((لسند)).
(٤) في (ق): ((الحديث)).
(٥) التلقين -كما عرّفه الحافظ العراقي-: هو أن يلقّن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه. شرح التبصرة والتذكرة ٢/ ٥٩.
وانظر عن التلقين وأسبابه وحكمه: النفح الشذي ١/ ٣٢٣، وسير أعلام النبلاء ١٠/ ٢١٠، والنكت الوفية: ٢٣٢/ ب، وفتح المغيث ١/ ٣٨٥، وتدريب الراوي ١/ ٣٣٩، وتوضيح الأفكار ٢/ ٢٥٧، وتوجيه النظر ٢/ ٥٧٣، وأثر علل الحديث: ١٢٠.
(٦) انظر: الصحاح ٢/ ٥٦١ (بغدد)، وتاريخ بغداد ١/ ٥٨، ولسان العرب ٣/ ٤٧٨.
(٧) سقطت من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>