للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدن بلاد الشام (١)، ومنذ أول رحلة له سنة (٧٥٤ هـ‍) لم تخلُ سنة بعدها من الرحلة إمّا في الحديث وإمّا في الحجّ (٢)، فسمع بمصر (٣) ابن عبد الهادي، ومحمد بن علي القطرواني، وبمكة أحمد بن قاسم الحرازي، والفقيه خليل إمام المالكية بها، وبالمدينة العفيف المطري، وببيت المقدس العلائي، وبالخليل خليل بن عيسى القيمري، وبدمشق ابن الخباز، وبصالحيتها ابن قيم الضيائية، والشهاب المرداوي، وبحلب سليمان بن إبراهيم بن المطوع، والجمال إبراهيم بن الشهاب محمود في آخرين بهذه البلاد وغيرها كالإسكندرية وبعلبك، وحماة، وحمص، وصفد، وطرابلس، وغزّة، ونابلس ... تمام ستة وثلاثين مدينة. وهكذا أصبح الحديث ديدنه وأقبل عليه بكليته (٤)، وتضلّع فيه رواية ودراية وصار المعول عليه في إيضاح مشكلاته وحلّ معضلاته، واستقامت له الرئاسة فيه، والتفرد بفنونه، حتّى إنّ كثيراً من مشايخه كانوا يرجعون إليه، وينقلون عنه -كما سيأتي- حتَّى قال ابن حجر: ((صار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الإسنائي ... وهلمَّ جرّاً، ولم نرَ في هذا الفنّ أتقن منه، وعليه تخرج غالب أهل عصره)) (٥).

[المبحث الرابع: مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه]

مما تقدّم تبيّنت المكانة العلمية التي تبوّأها الحافظ العراقي، والتي كانت من توفيق الله تعالى له، إذ أعانه بسعة الاطلاع، وجودة القريحة، وصفاء الذهن، وقوة الحفظ، وسرعة الاستحضار، فلم يكن أمام مَن عاصره إلاّ أن يخضع له سواء من شيوخه أو تلامذته. ومما يزيد هذا الأمر وضوحاً عرضِ جملةٍ من أقوال العلماء فيه، من ذلك:


(١) لحظ الألحاظ: ٢٢٣، والضوء اللامع ٤/ ١٧٢.
(٢) الضوء اللامع ٤/ ١٧٣.
(٣) انظر: الضوء اللامع ٤/ ١٧٢ - ١٧٣.
(٤) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ٣٠.
(٥) إنباء الغمر ٢/ ٢٧٥ - ٢٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>