للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجِبُ (عَلَى الشَّاهِدِ) المُتَحَمِّلِ - ولَو اتِّفَاقاً - أدَاءُ (مَا تَحَمَّلْ)، وإنْ كَانَ فِيْهِ بَذْلُ نَفْسِهِ بالسَّعْيِ إلى مَجْلِسِ الحُكْمِ؛ لأَدَائِهَا.

ولأنَّ هَذَا مِنَ المَصَالِحِ العَامَّةِ المُحْتَاجِ إليها مَعَ وُجُودِ عُلْقَةٍ بَيْنَهُما تَقْتَضِي الإلْزَامَ بذَلِكَ (١).

قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((ويَرْجِعُ حَاصِلُ أقْوَالِهِمْ إلى أنَّ سَمَاعَ غَيْرِهِ إذَا ثَبَتَ في كِتابِهِ بِرِضَاهُ، فيلْزَمُهُ إعَارَتُهُ إيَّاهُ)) (٢).

وتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ في " تَقْرِيْبِهِ " (٣).

(وَلْيَحْذَرِ المُعَارُ) لهُ (تَطْوِيْلاً) أي: مِنَ التَّطْوِيْلِ بما اسْتَعَارَهُ عَلَى مَالِكِهِ إلاَّ بِقَدَرِ الحَاجَةِ.

فَعَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ قَالَ: إيَّاكَ وغُلُولَ الكُتُبِ. وقِيْلَ: ومَا غُلُولُ الكُتُبِ؟ قَالَ: حَبْسُهَا عَنْ أصْحَابِهَا (٤).


(١) قال البلقيني في المحاسن: ٣٢٥: ((عندي في توجيهه غير ما قال ابن الصّلاح، وهو: أن مثل هذا من المصالح العامة التي يحتاج إليها مع حصول علقة بين المحتاج والمحتاج إليه، يقتضي إلزامه بإسعافه في مقصده. أصله: إعارة الجدار لوضع جذوع الجار. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - الحديث فيه.
وقال بوجوب ذلك جمع من العلماء، وهو أحد قولي الشافعي - رضي الله عنه -. وإذا كان يلزم الجار بالعارية مع دوام الجذوع في الغالب؛ فلأن يلزم صاحب الكِتَاب مَعَ عدم دوام العارية، أولى، وكأن الشّيخ ابن الصّلاح إنما قاسه عَلَى أداء الشهادة من جهة أنها متفق عَلَيْهَا، لَكِنْ الفرق بينهما أن الشهادة حق يتعلق بالحكم الّذي هُوَ نظام الأمور العامة والخاصة. فلو لَمْ يقل بلزوم الأداء لتعطل هَذَا النظام، بخلاف العارية فِيْمَا نحن فِيْهِ. والأقرب في القياس والتوجيه ما ذكرته، ولا يقال: تخرجت على قول مرجوح في المذهب؛ لأنا بيّنا الأولوية التي تقتضي رجحان الإلزام فيما نحن فيه)).
(٢) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: ٣٦٩.
(٣) التقريب: ١٣٠.
(٤) رواهُ الخطيب في الجامع ١/ ٢٤٢ (٤٨٣)، والقاضي عياض في الإلماع: ٢٢٤، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء: ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>