للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا لا يُنَافِي كَوْنَ الْحَيَاءِ مِنَ الإيْمَانِ؛ لأنَّ ذَلِكَ شَرْعِيٌّ يَقَعُ عَلَى وَجهِ الإجْلاَلِ، والاحْتِرَامِ للأكابِرِ، وَهُوَ مَحْمُوْدٌ، والذي هُنَا لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ، بَلْ سَبَبٌ لِتَرْكِهِ، وَهُوَ مَذْمُومٌ.

(وَاجْتَنِبِ) أَنْتَ (كَتْمَ السَّمَاعِ) الَّذِي ظفرْتَ بِهِ لِشَيْخٍ، وكتمَ شَيخٍ انْفَرَدْتَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ إخْوَانِكَ رجاءَ الانْفِرَادِ بِهِ عَنْهُمْ. (فَهْوَ) أي: الكتمُ (لُؤْمٌ) مِنْ فَاعِلِهِ، ويُخْشَى عَلَيْهِ عَدَمُ الانْتِفَاعِ بِهِ.

وفي الْحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ: ((الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ)) (١).

وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ((مَنْ بَخِلَ بِالْحَدِيْثِ، وكَتمَ عَلَى النَّاسِ سَمَاعَهُمْ، لَمْ يُفْلِحْ)) (٢).

وعَنْ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- مَرْفُوعاً: ((يَا إِخْوَانِيْ! تَنَاصَحُوا في العِلْمِ وَلاَ يَكْتُمُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَإِنَّ خِيَانَةَ الرَّجُلِ فِيْ عِلْمِهِ أَشَدُّ مِنْ خِيَانَتِهِ فِيْ مَالِهِ)) (٣).

نَعَمْ: لَهُ الكتْمُ عَنْ مَنْ لَمْ يَرَهُ أهْلاً، أَوْ يَكُوْنُ مِمَّنْ لا يقبلُ الصَّوَابَ إِذَا أرْشَدَهُ إِلَيْهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. فعنِ الْخَلِيلِ بنِ أَحْمَدَ أنَّهُ قَالَ لأبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ الْمُثَنَّى: ((لا ترُدَّنَّ عَلَى معجبٍ خَطأً، فَيستَفِيدَ مِنْكَ عِلْماً، ويتَّخِذَكَ بِهِ عَدُوّاً)) (٤).


(١) أخرجه الحميدي (٨٣٧)، وأحمد ٤/ ١٠٢، ومسلم ١/ ٥٣ (٥٥) (٩٥) (٩٦) و ٥٤ (٥٥) (٩٦)، وأبو داود (٤٩٤٤)، والنسائي ٧/ ١٥٦، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند ٤/ ١٠٢ من طرق عن عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري، به.
قلنا: وهو مروي أيضاً من حديث ابن عبّاسٍ، وابن عمرو وغيرهما.
(٢) الجامع لأخلاق الرّاوي ١/ ٢٤٠ (٤٧٧).
(٣) رواه الطبراني في الكبير برقم (١١٧٠١)، وأبو نعيم في الحلية ٩/ ٢٠، والخطيب في تاريخه ٣/ ٤٣ و ٦/ ٣٥٧ و ٣٨٩، وفي الجامع ٢/ ١٤٩ (١٤٤٩)، وابن الشجري في أماليه ١/ ٤٩، وابن الجوزي في الموضوعات ١/ ٢٣١ من طرق عن ابن عبّاسٍ، وهو حديث تالف لا يصح بحالٍ. وانظر: مجمع الزوائد ١/ ١٤١.
(٤) الجامع لأخلاق الرّاوي ٢/ ١٥٤ (١٤٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>