للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذِ الثالثُ منافٍ للأوَّلَيْن، فَزَعَمَ جَماعةٌ نَسخَهُما بِهِ، والحقُّ الجمعُ بينهما كَمَا ذكرَهُ بقولِهِ: (فالنفيُ) لِلعدوى في الثالثِ إنَّما هُوَ (لِلطَّبعِ) أي: لما كَانَ يعتقدُهُ أهْلُ الجاهليةِ، وبعضُ الحكماءِ من أنَّ الجذامَ والبرصَ ونحوَهما تُعْدِي بطبعِها (١)؛ ولهذا قَالَ في الْحَدِيْثِ: ((فمَنْ أعدى الأوَّلَ) أي: إنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي ابتدأَهُ في الثاني، كَمَا ابتدأَهُ في الأوَّلِ.

والنَّهْيُ والأمرُ في حديثي: ((لاَ يُوْرِدُ)(وفِرَّ عَدْوَا) أي: سريعاً، كنايةً عَنْ فرارِكَ من الأسدِ للخوفِ منَ المخالطةِ التي جعلَها الله تَعَالَى سَبباً عادياً للإِعداءِ، وَقَدْ يتخلفُ عَنْ سَببهِ، كَمَا أَنَّ النارَ لا تحرقُ بطبعِها، ولا الطعامَ يشبعُ بطبعِهِ، ولا الماءَ يُرْوِيْ بطبعِهِ، وإنما هِيَ أسبابٌ عاديةٌ (٢).

وَقَدْ وجدْنا مَنْ خالطَ المصابَ بشيءٍ مما ذكر، وَلَمْ يتأثر بِهِ، وَوَجدنَا مَن احترزَ عَنْ ذَلِكَ الاحترازَ الْمُمْكنَ، وأخذَ بِهِ.

ومُمْرِضٌ في الْحَدِيْثِ مِن: أمْرَضَ الرَّجُلُ، إذا أصابَ ماشيتَهُ مرضٌ (٣)، ومُصِحٌّ من: أصَحَّ، إذا أصابَ (٤) ماشيَتَهُ مرضٌ ثُمَّ صحَّتْ مِنْهُ.

(أَوْ لاَ) أي: وإنْ لَمْ يَكُنِ الجمْعُ بَيْنَهُمَا (فإنْ نَسْخٌ بَدَا) أي: ظهرَ (فَاعْمَلْ بِهِ) أي: بِمقْتَضَاهُ، (أَوْ لاَ) أي: وإن لَمْ (٥) يبدُ نسخٌ (فرجِّحْ) أحدَ المتنينِ بوجهٍ مِن وجوهِ الترجيحاتِ المتعلقةِ بالمتنِ أَوْ بإسنادِهِ، ككونِ أحدِهما سَماعاً أَوْ عرضاً، والآخرِ كتابةً أَوْ وِجادةً أَوْ مُناولةً، وَ (٦) ككثرةِ الرُّوَاةِ، أَوْ صفاتهم (٧).


(١) في (م): ((بطبعهما)).
(٢) معرفة أنواع علم الحديث: ٤٥٥، والمقنع ٢/ ٤٨١، وشرح التبصرة والتذكرة ٢/ ٤٣٤.
(٣) انظر: تاج العروس ١٩/ ٥٨ ((مرض)).
(٤) في (م): ((أصابت)).
(٥) في (م): ((لو لم)).
(٦) في (م): ((أو)).
(٧) انظر: فتح المغيث ٢/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>