رحيم} صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذويه، وسائر أتباعه وأوليائه ومحبيه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فقد منحتكم يا معشر إخواني المفاليك كتاباً بديع المثال، منسوجاً على غير منوال، مخترعاً من غير سابقة مثال مسلاة وتمثلا وحكمة وعللا، تتخذونه مفاكهة وأمثالاً، وتتصرفون به في ظنونكم رداً وأعمالاً، وتنزعون به أيديكم من ربقة انتزاعاً، وترفعون به نحو الأغراض والمقاصد شرعاً.
وكان المحرك لهذه الكتابة أن سائلا سأل عن السبب في علية الفلاكة والإهمال على نوع الإنسان، فصادف مني نشاطاً للكلام في ذلك نفشة مصدور وضربة موتور، وناراً ساكنة ألقمها حطباً، ودعوة وافقت إرادة ومطلباً.
وأنا أعتذر عما لا يوافق الغرض ولا يصيب الغرض، وعن استبدال الجوهر بالعرض، بأن استكشاف أسرار الدقائق واستشفاف أنوار الحقائق مما يتعذر أو يتعسر مع العوائق البدنية والصوارف النفسانية، ولو كان الخاطر صقيلا باتراً ومواد الكلام بحراً زاخراً، فكيف إذا كانت الفكرة كليلة، والبضاعة من العلم قليلة، والصوارف متناصرة، والبواعث متقاصرة والشواغل إلى حد المنع من معاودة التنقيح والتهذيب، والوقت ضيق عن اختيار الألفاظ وجودة الترتيب، والكتب مفقودة أو مستعارة، والهموم تشن غارة بعد غارة.
هذا مع إن المخترعات التي لم تسبق بتصنيف ولا بتدوين وترصيف لا تبلغ بها الفائدة نصابها، وتفتح للمعاذير أبوابها. ومن الله استمد العصمة من وصمة الغلط، وغوائل الأوهام وبوادر السقط، وأن يوفقنا لإخلاص النية وإحسان الطوية.
ورتبت مقصود هذا الجمع في فصول:
الفصل الأول: في تحقيق معنى المفلوك الذي قصر عليه هذا الكتاب.
الفصل الثاني: في خلق الأعمال وبيان أن لا حجة للمفلوك في التعلق بالقضاء والقدر.
الفصل الثالث: في أن التوكل لا ينافي التعلق بالأسباب وان الزهد لا ينافي كون المال في اليدين.
الفصل الرابع: في الآفات التي تنشأ من الفلاكة وتستلزمها الفلاكة وتقتضيها.