أما مذهب إمام الحرمين وجمهور الفلاسفة وأبي الحسين البصري من المعتزلة فهو أن الله تعالى يوجد للعبد القدرة والإرادة، ثم تلك القدرة والإرادة يوجبان وجود المقدور.
ومذهب أكثر المعتزلة أن القدرة الحادثة موجبة الحدوث مقدورها، وإنه لا تأثير للقدرة القديمة فيه.
ومذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه والقاضي أبي بكر الباقلاني في أحد أقواله والبخاري من المعتزلة إنه لا تأثير للقدرة الحادثة في حدوث مقدورها ولا في صفة من صفاته وإن أجرى الله العادة بخلق مقدورها مقارناً لها، فيكون الفعل خلقاً من الله إبداعاً وأحداثاً وكسباً من العبد لوقوعه مقارناً لقدرته.
واختلف في تفسير الكسب على قولين:(أحدهما) أن ذات الفعل تحصل بقدرة الله تعالى وكونه طاعة ومعصية، كما في لطم اليتيم تأديباً وإيذاء صفات له تابعة لوجوده يحصل بقدرة العبد، لأن مفهوم الفعل أعم من خصوص كونه قياماً وقعوداً وما به التمايز غير ما به الاتحاد، فما به التمايز هو الكسب. صرح بذلك الأبهري في شرح المواقف وبعض شراح الطوال، ولكن المشهور إيراده مذهباً للقاضي أبي بكر الباقلاني وأخذاً من أقواله.
(القول الثاني) وهو المشهور في تفسير الكسب إنه تصميم العزم على الفعل، على معنى أن الله تعالى أجرى عادته بأن العبد إذا صمم العزم على المعصية يخلق الله تعالى فعل المعصية فيه، فالعبد وإن لم يكن موجداً إلا إنه كالموجد. واستدلت الأشاعرة على مطلوبهم بمسالك كثيرة ضعفها الآمدي في أبكار الأفكار، ولم يرتض منها إلا مسلكين أخصرهما لو كان العبد خالقا لأفعال نفسه للزم وجود خالق غير الله، ووجود خالق غير الله محال، ويلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم.
وأما المعتزلة فاستدلوا على مذهبهم بوجوه كثيرة مرجعها إلى أمر واحد، وهو إنه لولا استقلال العبد بالفعل لبطل مدح العباد وذمهم على الطاعات والمعاصي، إذ لا يمدح زيد ولا يذم بما يفعله عمرو من طاعة أو معصية، وإلا ارتفع الثواب والعقاب لأن العبد إذا لم يكن موجداً لفعله لم يستحق ثوابا ولا عقاباً، وكان الله
مبتدئا بالثواب والعقاب من غير استحقاق من العبد لذلك، ولو