والمبالغة في الاعتذار إليهم وإظهار حبهم ومناصحتهم من أحسن أحوال المفلوكين وأليق الصفات بهم وأفضاها إلى مقاصدهم وبيان الدليل على ذلك.
اعلم أن الناس لا يبذلون منافعهم وأموالهم سدى بغير غرض ولا علة لأن المتعالي عن وجوب تعليل أفعاله بالأغراض والمصالح إنما هو الله تعالى وان خالفت المعتزلة في ذلك، فلا بد للاحسان أعم من أن يكون نفعاً أو مالا قولا أو فعلا من غرض وحظ هو عند الباذل أوفى بما بذله وتحصيله عنده أحب إليه من ذلك المبذول، فكما أن الشخص لا يلقى ماله في البحر إذ لا غرض له فيه كذلك لا يضع ماله في يد إنسان ولا غرض له فيه وذلك الغرض إما آجل وهو جزيل
الثواب في الآخرة قال صلى الله عليه وسلم:{أيما امرئ اشتهى شهوة ر شهرته وآثر على نفسه غفر الله له}، وأما عاجل في الدنيا وهو إما ترقب المكافأة بإحسان مثله نوعاً أو جنساً، أو المنة والترفع، أو الثناء والصيت والاشتهار بالسخاء والكرم، أو جذب القلوب إلى طاعته ومحبته واستسخارهم. أو إزالة مذمة البخل وخبثه والنقرة الحاصلة للبخلاء واستقباحهم عنه، أو إزاحة حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة عن قلبه، أو إزاحة رقة الجنسية ورحمة النوعية عن قلبه ودفع الألم الحاصل له من الرقة بسبب سوء حال من يحسن إليه، أو دفع ألم خوف حاضر أو مترقب. والاستقراء يدل على الحصر.
ثم أن بعض هذه الأغراض أقوى من بعض وبعضها أدوم وأشد بياناً من بعض، فالإحسان بالوارد الأخروي قليل الثبوت والاستمرار إلا من وفقه الله تعالى.
وأيضا فأعمال الخير تتقارض وينوب بعضها عن بعض، والأعمال البنية أسهل على النفوس في تحصيل مطلوب الآخرة من الأعمال المالية، وبتقدير ثبوتها فإنما يثبت جنسها، وأما انحصارها في مفلوك بعينه فأقل ثبوتا بل لو قيل بعدم ثبوتها في مفلوك بعينه البتة لم يكن بعيداً، فلا يفيد المفلوك التعويل عليها.
وأما حب المنة والترفع فليس شاملا لعامة الخلق ولا لمعظمهم، لأن النفوس المستشرقة للمكارم والمعالي تأباه وتنفر عنه، وإنما