ذلك غالباً ممن يصدر عنه الإحسان تكرماً وتطبعاً وتكلفاً لا طبعاً، فهو من فساد جوهر الإنسانية.
وقولنا (لا يكون غالباً) لأن الكلام فيمن يصدر منه الإحسان لا في مطلق الإنسان، فلا يجمل بالمفلوك جعله رأس ماله، لأنه حينئذ يكون قد رضي بأقل الناس عدداً وأفسدهم جوهراً.
وأما حب الثناء والصيت والاشتهار بالسخاء والكرم فلذلك يقتضي وضع المكارم في الناس على البدل والنوبة وتعميم العطاء للنظير والأعلى والأدنى، ويكتفي من
الواحد بالشخص بالمرة والمرتين والثلاثة، لأن الغرض إقامة الحجة وبسط المعذرة، فلا يحسن أيضاً بمفلوك التعلق بمحسن هذا عرضه، لأنه ماذا عسى أن يحصل من المرة والمرتين، ولأن العطاء العام قد لا يصادفه، لأن الاستدلال بالأعم على الأخص ممتنع.
وأما جذب القلوب إلى الطاعة والمحبة والإستخسار فهو أيضاً مما لا يوصل مفلوكاً إلى غاية ولا إلى مطلب يؤبه له، وقصاراه أن يوصله إلى مبادئ الخير، لان الغرض إقامة الحجة عليه واستعباده، وذلك يحصل بأدنى مرتبة يمكن استبعاد مثله بها.
وأما إزالة مذمة البخل ووضره ونفرته فلا يختص بإضافة الإحسان على المفاليك، بل قد يحصل بتنعيم النفس وإظهار بزتها وزينتها وبالبسط على العيال وضيافة النظير أو المساوي في المنزلة.
وأما إزاحة رقة الجنسية فتستدعي حالا غير مرضية تستنزل بها الرحمة زيادة على الفلاكة، إذ الفلاكة الدائمة تعتاد وتؤلف فيضعف كونها طريقاً للرحمة، وتلك الحال الزائدة تربو على الإحسان مرارها أضعافاً مضاعفة.
ثم إن رقة الجنسية من أمور الآخرة، وفيه من البحث ما تقدم، ولذلك كانت إزالة حب الدنيا عن القلب من أمور الآخرة، وفيه من البحث ما تقدم.
وإذن تقرر أن الناس لا يبذلون منافعهم وأموالهم بغير غرض، بل لا بد لهم من غرض إما عاجل أو آجل، والمفلوك تمنعه الفلاكة عن المكافأة على الإحسان بإحسان مثله، وتمنعه أيضاً من الإحافة، والأمور التي مرجعها الآخرة لا تبقى ويكتفي ببعض أعمال الخير البدنية عنها وغيرها لا يخص مفلوكا بعينه ولا يوصله إلى غاية يؤبه لها.
ثم أن ما سوى رقة الجنسية أمور راجعة إلى الباذل وحده، فلا بد في المفلوك من
تحريك بواعث الناس بأمر يرجع نفعه إليهم ويكون وصفاً للمفلوك نفسه ويدخل تحت قدرته دائماً، لتبقى داعية الإنسان متحركة دائما لا تسكن