كان كذلك لجاز عقاب الأنبياء وثواب الكفرة الأغبياء، ولم يبق لأحد وثوق بعمله. ولا يخفى ما في ذلك من تشويش الدين والخبط في الشريعة.
وأيضاً لولا الاستقلال لبطل التكليف بالأوامر والنواهي والتأديب، لأنه إذا لم يكن العبد موجداً لأفعاله فكيف يصح عقلا أن يقال: ائت بفعل الإيمان والصلاة والزكاة ولا تأت بالكفر وشرب الخمر والزنا، لأنه تكليف بما لا يطاق، وليطل أيضاً فائدة بعث الأنبياء، وهي دعوة المكلفين إلى فعل الطاعات وزجرهم عن المعاصي إذا لم يصدر منهم عمل فيلزم التكليف بما لا يطاق.
والجواب بمنع الملازمات: أما في المدح والذم فلأنهما باعتبار المحلية لا باعتبار الفاعلية، إذ لا يجوز أن يمدح الشيء لحسنه وسلامته ويذم لقبحه وعاهته، فتمدح الجوهرة لحسنها وصفائها ونقائها من العيوب. وأما الثواب والعقاب فلأن عادة الله جارية على خلق الثواب عقيب خلق الطاعات وعلى خلق العقاب عقيب خلق المعاصي، لا أن العبد يوجد الطاعة والمعصية وهما يوجبانهما، كما يخلق الشبع عقيب خلق الأكل والاحتراق عقيب مسيس النار وإن قدر على أن يخلقها ابتداء.
وقولهم:(لو لم يكن الثواب جزاء فعل العبد لجاز عقاب الأنبياء وثواب الكفرة) قلنا: مسلم ولكن جوازاً تحيله العادة أو لا تحيله العادة الأول مسلم والثاني ممنوع، فلا يشك في انتفاء ما ذكروه وان كان جائزاً عقلا، وأما حديث التكليف والتأديب والبعثة والدعوة فلأنها قد تكون دواعي الفعل وأجرى الله العادة بترتيب آثارها عليها.
وتخليصه أن الأشاعرة لما وردت عليهم هذه الشبهة ورأوا أيضاً تفرقة بديهية بين ما نزاوله من الأفعال الاختيارية ومن حركة المسحور على وجهه والمرتعش، وذادهم ومنعهم البرهان الدال على أن الله خالق كل شيء عن أضافه الفعل إلى
اختيار العبد مطلقاً جمعوا بين الأمرين واثبتوا الكسب على التفسيرين السابقين، فإما أن يقال كون خصوص الفعل من كونه طاعة ومعصية واقعاً بقدرة العبد كاف في تكليفه وتأديبه ودعوته، وأما أن يقال العبد إذا صمم على الطاعة يخلق الله فعل المعصية فيه وإذا صمم على الطاعة يخلق الله فعل الطاعة فيه. وعلى هذا يكون العبد كالموجد لفعله وان لم يكن موجداً، وهذا القدر كاف في التكليف والتأديب والدعوة.
وهذا أيضاً مشكل، لأن الدواعي والتصميم على فعل من الأفعال مخلوق لله تعالى، فلا مدخل للعبد أصلا. ووجه الاعتذار عن هذا الإشكال كما