وكان ابن فضلان أبو القاسم يحيى بن علي بن الفضل البغدادي الملقب جمال الدين الإمام في الأصول والخلاف والجدل الرئيس الوجيه ذاهب إحدى اليدين، لأنه لما خرج من نيسابور سقط عن دابته ففسدت يده وأدت الحال إلى قطعها، فعمل محضراً بذلك خوفاً من التهمة بالقبيح ومع ذلك فقد كان يجري بينه وبين المجير البغدادي مناظرات فيشنع هو على المجير بالفلسفة والمجير يشنع عليه بقطع يده.
والسبب في تخصيص أهل الفضل بإذاعة نقائصهم وعدم إقالتهم إياها والتلبيس والافتراء عليهم مهما كانت محققة أو موهومة محتملة أن النفوس مجبولة على المساوة والمباهاة ولا تحب لغيرها تفوقا عليها، فمهما وجدت سبيلا للتنقيص من كمال الكمل واو تلبيساً مقبولاً سلكته تنقيصا للكمال وطلبا للمساواة بحسب الإمكان، بخلاف الناقص في نفسه فإنه لا حاجة إلى تنقيصه.
(وثالثها) - ألم الانفراد مع أن الإنسان مدني بالطبع لا يمكنه أن يستقل بنفسه منفرداً عن الغير بحيث لا يستعين بأحد في حاجاته وضروراته بل لأقوام لأحواله إلا بالتعاون، حتى أن الرغيف من الخبز لا يضير رغيفاً إلا بآلات وأعمال تفتقر إلى صناع كثيرين كثرة بالغة.
والمدنية في اصطلاح الحكماء هي الاجتماع، ولما أن الإنسان مدني بالطبع في أحواله الكمالية والمصلحية فلا يمكنه أن يستقل بنفسه منفرداً عن الغير بحيث لا يستعين بأحد في أموره الكمالية والمصلحية والوجدان، والتجربة اصدق شاهد في ذلك والمناسبة والاخالة تصحح القياس والإلحاق والمفاليك يلزمهم الانفراد لزوماً لا انفكاك لهم عنه. والسبب في ذلك أن الناس بالإضافة إلى المفلوك أربعة أقسام: مساوله في الفلاكة، أكثر منه فلاكة، أعلى منه بقليل، أعلى منه مطلقاً. ووجه الحصر المأخوذ بالإضافة إلى المفلوك: إما مفلوك أو غير مفلوك، والأول إما مساو أو انزل، والثاني إما أعلى بقليل أو أعلى مطلقا.
إذا تقرر ذلك فالقسمان الأولان لا فائدة في الاجتماع بهما، لأن حكمة التمدن مفقودة فيهما، وغاية الاجتماع بهما تضاعف الفلاكة وتكاثفها وتغليظ الحجاب الحاجب عن المقاصد، كانضمام ظلمة إلى أخرى وكغسل العذرة بالبول. والقسم الأخير يمنع من الاجتماع به أمور أعظمها أن العظماء والنبلاء يحرصون على سد الذرائع في أطماع المفلوكين في جانبهم بتبعيدهم والإعراض عنهم خشية من