وكان المصريون قائمين بدعوة العاضد عبد الله بن يوسف توهم الجهال أن ما قاله المنجمون حق، فلما رد صلاح الدين الدعوة إلى بني العباس ظهر كذبهم وكانت المدة بين وضع الأساس وانقراض الدولة نحواً من مائة وثلاثة وتسعين عاماً والاعتذار عنهم بسبق البنائين الأرصاد بعيد لان تبديل البناء وتغييره مع الاحتياط للدولة مع سهولة التغيير مما لا يتسامح به.
ومن ذلك اتفاقهم سنة خمس وتسعين وثلاثمائة في أيام الحاكم على إنها السنة التي تنقضي فيها بمصر دولة العبيدين، وذلك عند خروج الوليد ابن هشام المعروف بأبي ركوة الأموي، وحكم الطالع له بأنه هو القاطع لدولة العبيدين وإنه لا بد أن يستولي على الديار المصرية ويأخذ الحاكم بذلك وأكبرهم المعروف بالفكرى منجم الحاكم، فكان أبو ركوة قد ملك برقة وأعمالها وكان من تدبير الحاكم أن دعا خواصهم وأمرهم أن يكاتبوا أبا ركوة ويطعموه باختياره على الحاكم ففعلوا، فزحف أبو ركوة بعساكره حتى نزل بوسيم على ثلاثة فراسخ من مصر فخرجت إليه العساكر الحاكمية فهزمته، فتحقق إنها خديعة فهرب وقتل خلق كثير من عسكره وطلب فأخذ أسيراً ودخل به إلى القاهرة على جمل مشهوراً، ثم أمر الحاكم بقتله سنة ٣٩٧ وأمر الحاكم بالفكرى فقتل.
والسبب في استمالة الفكرى للحاكم أن الفكرى أصاب معه في قضيتين (أحدهما)
أن الحاكم عزم على إرسال أسطول إلى مدينة صور لمحاربتهم فسأله الفكري أن يكون تدبيره إليه ليخرجه في طالع يختاره وتكون العهدة إن لم يظفر عليه، واتفق ظهور الأسطول. (الثانية) إنه ذكر له أن بساحل بركة موريس مسجداً وأن تحته كنزاً، وسأله أن يتولى هو هدمه فإن ظهر الكنز وإلا بناه هو من ماله، فانفق إصابة الكنز.
ولما حكم عليه الفكري بتغير دولته وقضى المنجمون بمثل قضائه وقع في نفس الحاكم أن يغير دولته تغييراً معنوياً، فعمد إلى كل متول في دولته ولاية فعزله منها، وقتل وزيره الحسن بن عماد وصار يأمر في يومه بخلاف ما يأمر به في أمسه، فأمر بسب الصحابة رضي الله عنهم على رؤوس المنابر والمساجد، ثم أمر بقطع سبهم وعقوبة من سبهم، وأمر بقطع شجرة الزرجون من الأرض واوجب القتل على من شرب الخمر ثم أمر بغرس هذه الشجرة