وفيها كنوز وأموال عظيمة وعليها موانع وطلسمات، ولتلك الموانع طرق تزول بها، وعلى تلك المطالب علامات وأمارات يتوصل بها إلى أمكنتها ويستدل عليها بها، فهذا من مخارق المحتالين وأماني المفلوكين ولا دليل لهم فيما يرجون كذبهم به من أن في القرون السالفة من كان يعتقد العود إلى الدنيا فيدخر ماله لذلك لما سنبينه.
والدليل على أن المطالب لا حقيقة لها وإنما هي من المطامع الفارغة والمخارق والخديعة أن ادخار الأموال العظيمة على هذا الوجه المخصوص إما أن يكون لغرض أولا لغرض، والغرض إما دنيوي أو أخروي، والأقسام الثلاثة باطلة وما أدى إلى الباطل فهو باطل، فالقول بوجود المطالب باطل.
بيانه: إنه لا جائز أن يكون ادخار المال في الأرض لا لغرض بأن يوضع تحت الأرض عبثاً لتأكله الأرض ويذهب سدى، فإن ذلك خلاف صريح العقل لأن الذهب والفضة هما قيم الأشياء وجوهر الثمينة وأسباب المطالب، ولا جائز أن يكون لغرض أخروي، لأن شريعة الإسلام ليس فيها ما يدل على مطلوبية الادخار والكنز ونيل الدرجات في الآخرة بسببه بل هي ناهية عنه وآمرة بصرفه في وجوه القربات والخيرات. وأصحاب الملل غيرها منهم من ينكر المعاد الجسماني
على القطع، ومنهم من تردد فيه، وهؤلاء لا يجوز أن يدخروا المال لأمر أخروي، لما أن أخرويا من غير اعتقاد الآخرة محال، وذلك كعبدة النجوم والصابئة والنصارى على ما قاله الأصفهاني في شرح الطوالع في الكلام على المعاد الجسماني، وان كان فيه نظر. وأما من يقول بالأدوار والتناسح كعبدة الأوثان فالكلام في عدم ادخارهم كالكلام على القسم الثالث. وأما القسم الثالث - وهو أن يكون الادخار لأمر دنيوي يعود على المدخر لاعتقاد عوده إلى الدنيا - فهو أيضاً باطل، لأنه لو كان كذلك لبالغوا في إخفائه وسد طريق العلم به، لكنا قد فرضنا له علامات وأمارات يعرف بها، هذا خلف.
وأما عدم إفضاء حرفة الشهادة إلى المقصود فذلك لأن الحرف والصنائع على قسمين: قسم يلزم من العلم به وإجادته الحصول على ثمرته وقسم لا يلزم بل لا بد من ضميمة أخرى ومنه حرفة الشهادة وسائر الحرف الهوائية الغير المعيشية، وينبغي أن يسمى معاشاً غير طبيعي، وهذه لا وثوق بإفضائها إلى المقصود.