للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جوهرها ونقص إنسانيتها.

وأيضاً يقال على وجوه المعاش الثلاث إنه كلما تجدد للإنسان دخل جدد له صرفاً، إما للمباهاة والترفع على أمثاله أو إفراطاً في الشهوات وانهماكاً في اللذات، أو خوفاً من سوء القالة والأحدوثة بتنقيص ما يقتضيه حاله، أو بإكراه مبغض لتلك النعمة عليه، أو لان الحالات المتجددة في دخله يلزمها تجدد أمور في صرفه فلا يزل الشخص مفلوكاً مهملاً غير قادر على المكارم.

وأيضاً فوجوه المجد والسيادة الكسيبة لا تصير دفعة وإنما تكون بالتدريج والترقي ومكابدة تنميتها ومعالجة زوال موانعها مع كثرة الصادين عنها والعوارض العائقة لها أمر عسير بطيء السير، فيقضي الإنسان شطر عمره أو معظمه في فلاكة

وإديار.

هذا حكم المعاش الطبيعي، وأما غير الطبيعي كالاسترزاق بالكيمياء والتنجيم والدلالة وقلم الشهادة لغير المعروف وسائر الأرزاق الهوائية الخطفية الصدفية فهي ارسخ قدماً في الفلاكة والإدبار، لأنها بمنزلة اللقطة والعثور على دفائن الأرض، لعدم انتظامها ووفاء محصولها لخمولها، فأصحابه - لاسيما غير المشهور منهم - أئمة الفلاكة وهبولاها وينابيعها ومأواها، أعاذنا الله من ذلك ومن الاختلاط بأهله آمين.

وأما الإمارة فلا ينكر أن مبادئها مشتملة على نصيب وافر من الفلاكة والإدبار، وبيانه: أن الإمرة لا تتم إلا بالمعصية والتغلب والشوكة، وفي قمع المعاند والجاحد وتأليف القلوب المتفرقة وتمهيد المسالك والقيام بحقوق لا تحصى وكثرة معاناة شدائد ومكابدة مكائد ومشاق وتعريض النفس للهلاك وكبراء الجند مستعبدون مع ملكيهم مشغولون به عن أنفسهم مقدمون لمراده على مرادهم، ولو سلم أن السلطنة خالية من الفلاكة فهي من القسم النادر والدعوى أن الفلاكة غالبة على نوع الإنسان لا أنها لازمة لكل أنواع الإنسان هذا كله من المكتسب، أما الموروث فيطرقه أنواع من الفلاكة:

(منها) امتداد أبدي الولاة والحكام إليه.

(ومنها) مذلة اليتيم وخضوعه وفقده نصيحة أبيه

(ومنها) سهولة صرف ماله عليه لعدم تحمله مشاق جمعه وتجشمه نصب الحبائل في تحصيله، فيسرع فيه بالسرف والتبذير والسفه لعدم حنكته وبصره بعواقب الأمور، ويعود يتكفف الناس.

(ومنها) عجزه لعدم مهارته ودربته عن الوفاء بمقاصد ماله والقيام بشروط تنميته وتثميره، فيذوب قليلاً قليلا إلى أن يضمحل ويتلاشى ولا يحصل

<<  <   >  >>