للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول: المعجب بنفسه لا يحقق إياك نستعين، كما أن المرائي لا يحقق إياك نعبد (١).

- خطورة الشرك الخفي:

أما خطورة الشرك الخفي من رياء أو عجب وما يؤديان إليه من غرورو وكبر ونفاق فكبيرة، أقلها إحباط العمل، فكل عمل يخالطه رياء أو عجب فقد أُحبط، وصار هباءً منثورًا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} (البقرة:٢٦٤).

ومع إحباط العمل فإن العجب يؤدي إلى غضب الله ومقته، قال صلى الله عليه وسلم: (من تَعظَّم في نفسه، واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان) (٢) .. وقال: (النادم ينتظر الرحمة، والمعجب ينتظر المقت) (٣).

ويؤدي العُجب أيضًا إلى الخذلان وحرمان التوفيق والتعرض للفتن، ولنا في قصة غزوة حنين أبلغ مثال: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (التوبة:٢٥).

فليست القضية فقط في إخلاص التوجه لله، بل لابد كذلك من الاستعانة الصادقة به سبحانه، وعدم رؤية العمل أو رؤية النفس بعين الفرح والرضا والإعجاب ...

من هنا يتأكد لدينا ضرورة وجود صفة الإخلاص التام لله عز وجل في التوجه والاستعانة لأبناء الجيل الموعود وإلا فلا نصر ولا تمكين.

- من مظاهر الإخلاص:

عندما يسير العبد في طريق الإخلاص لله عز وجل فإن هذا من شأنه أن يترك عليه آثارًا وعلامات يشعر بها بداخله، ويلاحظها عليه من حوله ...

- من هذه العلامات أن العبد لن ينتظر من وراء عمله رضا رؤسائه عنه، أو توجيه الثناء له، أو خلع الألقاب عليه، أو تقديمه على غيره من زملائه.

- ومنها أن يسعى لإخفاء مكانه وعمله غاية الإمكان، فلا يتحدث به تلميحًا ولا تصريحًا.

- ومنه أنه لن يسعى لمعرفة رأي الناس في أعماله، بل يعمل العمل ويجتهد في نسيانه وإخفائه وعدم التحدث به.

- ومنها أيضًا: أن يخاف على نفسه من فتنة الشهرة والأضواء، فيدفعها عن نفسه غاية الإمكان.

- ومنها: أنه يستوي عنده العمل في المقدمة، مع العمل في المؤخرة، بل إن عمله في المؤخرة سيكون أحب إليه حيث لا يتعرض لنظر الناس أو ثنائهم عليه.

- ومنها: استواء المدح والذم لديه، حتى إنه ليدفع مدح الناس لخوفه على نفسه من آثاره السلبية.

- ومنها: عدم ضيقه إذا ما نُسب عمله إلى غيره.

- ومنها: مساعدته للآخرين في أعمالهم والعمل على إنجاحها دون أن يشعر به أحد.

- ومنها: وجود خبيئة من أعمال صالحة بينه وبين الله لا يعلمها أحد سواه.

- ومنها: أنه لن يضيق صدره إذا ما تخطاه الاختيار للقيام بعمل له فيه سابقة خبرة أكثر من غيره، بل إنه يساعد من اختير لذلك ويقدم له نصائحه وخبرته.

- ومنها: أنه لن يهتم برضا الناس عنه أو سخطهم عليه.

- ومنها: أنه لن يتحدث عن نفسه بما يزكيها، ولا يكثرمن قول أنا ... لي ... عندي ... .

- ومنها: أنه لن يفتخر على أحد بشيء حباه الله به.

- ومنها: أنه لن يُحاول إظهار كل إمكاناته وما يعلمه أمام الآخرين.

- ومنها: أنه لن ينظر إلى مغنم من وراء عمله، ولن يستغل منصبه في تحقيق منافع دنيوية له أو لأقاربه وأصدقائه.

- ومنها: عدم المنِّ بالعطايا على الآخرين، وعدم تذكيرهم بها بأي شكل من الأشكال.


(١) العُحب لعمرو بن موسى الحافظ /١١ نقلًا عن مجموع الفتاوى لابن تيمية ١٠/ ٢٧٧.
(٢) صحيح. رواه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد عن ابن عمرو، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح (٦١٥٧).
(٣) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٧٢٤٥).

<<  <   >  >>