للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن كنت في شك من هذا فتأمل معي دعاء إبراهيم عليه السلام لربه {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصْنَامَ} [إبراهيم: ٣٥]. وكذلك يوسف الصديق عليه السلام عندما استجار بربه ليصرف عنه فعل السوء {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: ٣٣].

فماذا تقول لربك بعد ذلك؟!

ماذا تقول لمن عصمك من الكفر والفسوق والعصيان؟!

ماذا تقول لمن اجتباك وهداك إلى صراطه المستقيم؟!

ألا ينبغي لنا أن نردد - بيقين - ما كان يقوله رسولنا صلى الله عليه وسلم لربه في صباح كل يوم: وإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف، وعورة، وذنب وخطيئة، وإني لا أثق إلا برحمتك (١). ونقول: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ} [الأعراف: ٤٣].

* * *

ثالثًا: من مظاهر حب الله لك:

[قيامه على شئونك]

تخيل معي لو أن شخصًا ما يقوم برعايتك باستمرار، ويدير كل شئونك .. يأتيك بالطعام والشراب وسائر ما تحتاج.

تريد الماء فتجده يسارع بإحضاره، وسقايته لك.

تريد الطعام فيشتريه ويطهيه ويناولك إياه، بل يطعمك بنفسه.

يحمل عنك أغراضك، ويقضي لك حوائجك.

تنام فيظل ساهرًا بجوارك، يحرسك ويحميك، ويطمئن عليك.

تخيل لو أن شخصًا يفعل معك ذلك كل يوم وبدون مقابل .. ماذا ستكون مشاعرك نحوه؟!

أليست مشاعر الامتنان والحب هي التي ستغمرك تجاهه؟!

فإن كان من الطبيعي أن تتملكك هذه المشاعر تجاه من يتولى رعايتك في بعض جوانب حياتك، فماذا ينبغي أن تكون مشاعرك تجاه من يتولى القيام على جميع شئونك منذ أن ولدت وحتى يومنا هذا .. وحتى لحظتك هذه؟!

[لا حول ولا قوة إلا بالله]

لقد خلقنا الله عز وجل من العدم وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة والأطراف والأجهزة المختلفة كأسباب تتيسر لنا من خلالها الحياة بلا منغصات.

هذه الأسباب لا تملك في نفسها القدرة الذاتية على القيام بوظائفها المختلفة، فالعضلات- مثلا- خلقها الله عز وجل ولديها القابلية للانقباض والانبساط، لكن الذي يمدها بالفاعلية والقدرة على ذلك هو الله سبحانه وتعالى. في كل لحظة وطرفة عين يمدها سبحانه بما يكفل لها القيام بوظيفتها ولو تخلى عنها طرفة عين لما انقبضت، ولا انبسطت، فإذا أردت الضحك لا تطاوعك عضلات فمك فيما تريد لأنها بدون المدد الإلهي تبقي عاجزة {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: ٤٣].

هذه هي الحقيقة فهو سبحانه الذي أضحك وأبكى، وهو الذي أقام وأقعد، وهو الذي حرَّك وسكَّن.

نعم- أخي القارئ- لا قيمة لأحد منا بدون الله، وكيف لا وكل خلية تعمل في جسمك فإن ربك هو القائم عليها، وعلى تدبير شئونها.

القلب يتعاهده ويحفظه ويتولى ضبط سرعة ضخه للدم.

اللقمة التي تأكلها في فمك يتولى سبحانه وتعالى عملية تسييرها وهضمها وامتصاص النافع منها، وإخراج ما ينبغي إخراجه.

النَفَس الذي تتنفسه يتولى سبحانه عملية دخوله إلى الرئتين وأخذ مادة الأكسجين منه وإخراجه محملا بثاني أكسيد الكربون.

الكُلية يعمل بها حوالي مليون جهاز ترشيح يقوم عليهم جميعًا ويتولى أمر حفظهم وإمدادهم بالقدرة على تنقية الدم والسوائل مرات ومرات في اليوم الواحد.

يقوم سبحانه على الجهاز العصبي والإحساس, وعلى الجهاز المناعي، وعلى الغدد وما تفرزه من هرمونات تحتاج دومًا إلى ضبط نسبها الدقيقة في الدم.

قائم على الدم، وضبط درجة سيولته في كل لحظة، فلو زادت لحدث النزيف ولو نقصت لكانت الجلطات والعياذ بالله.


(١) حسن، رواه أحمد والطبراني والحاكم، وقال صحيح الإسناد، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح (٦٥٧).

<<  <   >  >>