ولو كان الله عز وجل يريد بالفعل أن يعاقب كل مخطئ على خطئه، وأن يقيم ميزان العدل على الجميع ما خوفنا كل هذا التخويف, يكفي أن يقول لنا بأن هناك حساب للمخطئ على خطئه، وأن النار في انتظاره، ولكنه-سبحانه - لم يفعل ذلك، بل حذرنا وحذرنا بأساليب شتى، وقص علينا ما سيحدث في يوم القيامة حتى صرنا وكأننا نراه رأي العين {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} [الحج: ١، ٢].
كل ذلك مبعثه الشفقة والرحمة بالناس جميعًا {إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: ١٤٣].
[شمول الترغيب والترهيب]
ولا يكفي أسلوب الترغيب والترهيب بذكر اليوم الآخر والجنة والنار، بل يتسع ويمتد ليشمل أمورًا كثيرة في حياة الفرد والجماعة، وليتناول الماضي والحاضر والمستقبل، كل ذلك ليحقق المقصود من استخدامه ألا وهو الاستقامة على أمر الله.
وإليك أخي القارئ بعضًا من التفصيل في هذا الأمر:
الناس جميعًا
لأن الله عز وجل يحب عباده ويريد لهم الخير فإنه سبحانه قد شملهم جميعًا بتوجيهاته ما بين الترغيب والترهيب، فتراه - على سبيل المثال- يرغب اليهود فيقول لهم: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ثم تراه يخوفهم فيقول لهم: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: ١٢٢، ١٢٣].
وأهل الكتاب يخوفهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً} [النساء: ٤٧].
ويرغبهم بقوله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة: ٦٥].
والمشركين يقول لهم: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: ٤٨].
بل وحتى المؤمنين: {لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨].
[الترهيب والترغيب في قصص السابقين]
ومع شمول أسلوب الترهيب والترغيب لجميع الناس فإنه يمتد ليشمل الزمن كله ماضيه وحاضره ومستقبله.
فالله عز وجل يدعونا في كتابه للاستفادة مما حدث مع السابقين في الأزمنة الماضية، فيرغبنا في الاحتذاء بالنماذج الصالحة، ويخوفنا من النماذج الطالحة.