[هل قامت القيامة؟!]
ثم إن ثمة أسئلة قد تقفز إلى أذهان البعض وهي:
هل قامت القيامة أم لم تقم؟
هل بالفعل دخل بعض الناس الجنة والبعض الآخر النار؟!
الإجابة معروفة للجميع, بأنه إلى الآن لم تقم القيامة ولم يتوزع الناس بين الجنة والنار.
إذن فلماذا يقص القرآن هذه الصور التفصيلية عن القيامة، والجنة والنار، وكأن الأمر قد انقضى، والأمور قد حُسمت مثل ما جاء في قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ - الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [الأعراف: ٥٠، ٥١].
هذا الحوار بين أهل النار وأهل الجنة لم يتم حتى الآن، فلماذا يعرضه الله لنا ويسرده بهذا التفصيل؟!
لماذا يحتل الحديث عن القيامة والجنة والنار هذه المساحة الواسعة من القرآن؟!
ألا توافقني -أخي القارئ- أن هذا التفصيل في عرض الجنة وكأننا نراها رأي العين، وكأن أهلها قد سكنوها وبدءوا في التمتع بما فيها من نعيم, ألا توافقني أن الغرض من ذلك هو استثارة رغبتنا لدخولها ومن ثمَّ الوفاء بحقها والسباق نحوها؟!
وكذلك عرض النار بهذه الصورة البشعة الكريهة، المنفرة لنخاف منها ونجتهد في الابتعاد عنها؟!.
وتأكيدًا على هذا المعنى أتركك مع هذه الآيات لتقرأها وتتدبر معانيها.
{إِلاَّ عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ - أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ - فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ - فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ - عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ - يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ - بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ - لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ - وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ - كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ - فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ - قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ - يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ - أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ - قَالَ هَلْ أَنْتُم مُّطَّلِعُونَ - فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ - قَالَ تَاللهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ - وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ - أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ - إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ - إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ - أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ - إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ - إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ - طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ - فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ - ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ - ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات: ٤٠، ٦٨].
معنى ذلك أن التوسع في الحديث عن أحداث اليوم الآخر وما فيها من ترغيب وترهيب ما هو إلا مظهر عظيم من مظاهر حب الله لعباده.
وإليك هذا الدليل:
يقول تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: ٣٠].
أرأيت ما تحمله الآية من تحذير وتخويف؟ ورأيت بماذا انتهت؟!.